Thursday 31th july,2003 11263العدد الخميس 2 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الديموقراطية الزائفة الديموقراطية الزائفة
أ.د. عبد المحسن الضويان (*)

التقرير المقدم من الكونغرس الأمريكي عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م والذي يشير إلى دور محتمل للمملكة في الأحداث على خلفية علاقة أحد السعوديين بطالبين سعوديين قدما لأمريكا لغرض الدراسة والذين يعتقد بأنهما شاركا في الهجوم على مبنى التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاجون في واشنطون. للأسف لا يستند إلى أرضية صلبة بل لا يستند إلى أي شيء سوى المحاولة للبحث عن كبش فداء أو للتخلص من المسؤولية التي يحمل (السي. آي إي) و (إف. بي. آي) وزرها لعجزهما عن تحليل المعلومات الواردة إليهما عن احتمال قيام أشخاص بأعمال ارهابية في أمريكا وما يفترض أن التنسيق بين هذين الجهازين كان واجباً وأنه لم تم لربما أصبح بالامكان تلافي ما حصل. ولا أريد أن أناقش ذلك ولكن ما يهمني هو نوع المساعدة التي قدمها السعودي في كاليفورنيا إلى القادمين الجديدين، حيث يقول التقرير بأنه ساعدهما في الحصول على سكن وعرفهما على جمعية اسلامية هناك، أقول هذه المساعدة المزعومة والتي يحاول التقرير من خلالها الوصول إلى خيط حتى ولو كان واهياً للربط بين المملكة ومن قام بتفجير المباني في نيويورك وواشنطن، أقول إن المساعدة إذا كانت صحيحة فإنها طبيعية وتحصل لمعظم من يصل إلى أمريكا لغرض الدراسة، فمن المتوقع أن القادم الجديد لأمريكا من الطلاب يجهل كثيراً من الوسائل التي تمكنه من الحصول على سكن والتعرف على الآخرين، وقد قام طلاب بمساعدتي عندما وصلت إلى أمريكا في ذلك وبعضهم ليس حتى من المملكة، ولا يمكن أن يكون ذلك عملاً مخالفاً للنظام أوخرقاً للقانون، بل إن المساعدة قد تأتي من الأمريكان أنفسهم فيدلونك على من لديه شقة للتأجير وعلى محلات بيع الآثاث ومعارض بيع السيارات وغيرها، وقد استفدت كثيراً من هذه المساعدة لكن يبدو أن تلهف معدي التقرير إلى ذريعة لإلقاء اللوم على المملكة يخدم عدة أغراض منها تخفيف الضغط على الأجهزة المخابراتية وتقصيرها في تحليل المعلومات التي لديها، وأيضاً موافقة هوى في نفوس حاقدة على المملكة، أليست تساعد الفلسطينيين وتشد من أزرهم؟ وبذا تمد في أمن المقاومة للاحتلال وتقض مضجع المحتلين، فلماذا لا تلصق بها تهمة أحداث سبتمبر، أي المملكة، لتخفف من مساندتها للفلسطينيين وتتخلى عن واجبها الديني تجاه أخوة لها يواجهون أعتى قوة احتلال واظلمها.
وهناك أمر آخر وسبب منطقي لإقحام المملكة فيما حصل في أمريكا وهو الطموح الشخصي والبحث عن مجد ذاتي ومصالح خاصة، فالانتخابات على الأبواب والبحث عن مواضيع توحي للناخب حرص المرشح على مصلحة أمريكا في أمر في غاية الأهمية واحراج الخصم أمر مستحب بل ومطلوب خاصة إذا كان سيؤدي إلى جلب الأموال لأغراض الدعاية الانتخابية، وكثير من الأموال، بالمناسبة، يأتي من جهات معروفة بمواقفها المؤيدة لإسرائيل، فإذا كان المرشح سيحصل على وسائل انتخابية تمكنه من الوصول إلى مبتغاه في الترشيح لعضوية مجلس النواب أو الشيوخ أو حكم الولاية، وما يتبع ذلك من ميزات مادية ومعنوية، فلم لا يركب الموجة والغاية تبرر الوسيلة، فالطامح للترشيح سيحصل على الأموال لغرض الدعاية لانتخابه، وكلما زادت التبرعات له كلما كانت فرصته إلى الفوز أعلى، وللأسف في بلد الديموقراطية، الترشيح والفوز هو لمن يدفع أكثر لا في زيادة الدخل للناخبين وتخفيف الضرائب والغاء القيود هي للدعاية له فقط، وحتى لو اضطر المرشح أن يتبنى مشاريع لا أخلاقية مثل: حقوق المنحرفين والشواذ وتعاطي الممنوعات، فلا مانع ما دامت النتيجة مزيداً من الأصوات التي توصله الى مبتغاه ويتربع بها على عرش العضوية أو الولاية أو غيرها. ومن اليسير على ذي الطموح أن يسلك كل السبل للوصول إلى الهدف حتى ولو كان أحد هذه السبل هو الكذب والقول بغير علم وتعريض مصلحة البلاد للخلل، لا يهم ان تتأثر علاقة بلاده بدولة مثل المملكة العربية السعودية، الدولة ذات المبادئ الثابتة والاستقرار السياسي المعروف والدور القيادي في المنطقة والعالم العربي والإسلامي.
إن محاولة الاساءة إلى علاقة المملكة بالولايات المتحدة الأمريكية من قبل أفراد أو جماعات أمريكية ذات نوايا وأهداف مشبوهة هو عمل لا أخلاقي، لأن الدور الذي زعموه للمملكة هم يعرفون بأنه غير صحيح وبعيد عن الحقيقة، وهو كذب واضح وأهم من ذلك يعرض مصالح البلدين لحالة من عدم الاستقرار، والضرر في النهاية مشترك، لكن يبدو أن ذلك لايهم، المهم هو نتيجة الانتخابات والفوز بمقعد في أحد المجلسين، ولا مانع أن يغير رأيه وموقفه فيما بعد، بعد أن نسي المنتخِب «بكسر الخاء» مواقف المنتخِب «بفتح الخاء» أثناء الحملة الانتخابية، وقد سمعنا عن مرشحين حتى للرئاسة الأمريكية يعد الناس بتقليل الضرائب وزيادة المرتبات، وبالطبع هذان ضدان لا يجتمعان، وبعد هدوء العاصفة يعود المرشح إلى رشده وتتبين الحقائق، لكن ما دام التناقض يحقق أهدافاً ايجابية للمرشح فلم لا. ويعرف جميع الناس هناك أن الوعود دائماً غير حقيقية وقليل منها ينفذ وانما هي وسيلة لاستجداء الأصوات واضعاف الخصم.
هذا الأسلوب هو المتبع والمتعارف عليه حتى إن علاقة دول العالم بأمريكا أثناء الانتخابات تتأثر سلباً وايجاباً، طبعاً ايجاباً بالنسبة لإسرائيل، فهو موسم الحصاد بالنسبة لها، وسلباً للفلسطينيين فلا أحد ممن يرغب في الترشيح أو اعادة ا لترشيح في أي منصب في أمريكا يجرؤ على المطالبة بحقوقهم. وسلباً أيضاً للدول الفقيرة أو نقاط الساحة في العالم، فالجميع مشغول في الانتخابات ولا وقت للمشاريع الإنسانية أو التدخل لاحلال السلام في منطقة ملتهبة أو لتخفيف معاناة شعوب أو دول في أمس الحاجة إلى المساعدة. هذه للأسف الديمقراطية التي يتبجح بها الآخرون وهذه هي التعددية، تنافس وحتى تناحر على كسب الأصوات بأي وسيلة كانت حتى ولو مؤذية للآخرين أو كاذبة مخادعة للمستهدفة أصواتهم.
وقد وجد الطامحون في التقرير فرصة للنيل من المملكة وفي الوقت ذاته تحقيق طموحات شخصية، ولو جاء التقرير في وقت آخر لربما كان صداه أقل وتأييده أخف، ولحسن الحظ فإن دور المملكة المزعوم، غير قابل للتصديق حتى من قبل المسؤولين هناك، فقد سبق أن حققوا مع المشتبه به ولم يجدوا علاقة تربطه بالمتهمين ومن ثم أطلق سراحه، وهذا دليل قوي على وهن حجة معدي التقرير، ولو كان هناك أدنى شبهة لما أخلي طرفه ولكان رهن الاعتقال والتحقيق، ولكن كما قلت ما دام أن الاشارة إليه في التقرير يخدم غرض الانتخابات فلم لا يستغل وليكن ما يكون. والإنسان يأسف بحق أن تكون الممارسات العبثية هذه في بلد العلم والتقدم التقني، فلا وجه للمقارنة بين أساتذة الجامعات والباحثين وأساطين العلم والصناعة في الولايات المتحدة الأمريكية وبين الطامحين لمقاعد المجالس النيابية أو حكم الولاية أو المدينة، حتى ولو على حساب الضمير ومصالحة الأمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل.

(*) عميد الدراسات العليا بجامعة الملك سعود

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved