ما أصعب الفراق
ما أصعب الفراق نعم فالموت حق.. قول لا جدال ولاشك فيه.. ورغم ذلك نتألم ونحزن عندما يأخذ أحدا من الأقارب أو الأصدقاء أو الزملاء..
مساء الأحد الحزين.. فوجئت بابني عاصم.. وهو يقف أمامي مرتبكا متألما حزينا.. حسب تعبيرات وجهه.. وهو يحاول أن يقول لي شيئاً.. وبعد تردد منه والحاح مني.. قال لدي خبر لابد من إطلاعك عليه.. «أبو مشعل توفي رحمه الله».. ويعلم الله كم كان الخبر مؤلماً ومحزنا لشخصي.. نعم.. أبومشعل.. محمد بن صالح بن رشيد الخنفري القحطاني.. أعتبره بأمانة وصدق.. ويشهد المولى عز وجل على صدقي.. أعتبره أبا وأخاً وصديقاً وأمينا لأسراري.. رغم فارق السن.. خمسة وثلاثون عاما على الأقل من الوفاء والحب والتقدير والإحترام والتشجيع والمؤازرة والمتابعة والإهتمام.. عشتها في حياة هذا الرجل الشهم كأي فرد من أفراد أسرته.. بل أقول وبدون مبالغة.. بأني أشعر في بعض المواقف.. بأن نصيبي من الاحترام يفوق نصيب أي فرد من أفراد الأسرة.. وفي هذه اللحظات الحزينة.. يمثل أمامي الكثير من المواقف الشخصية والعامة.. ومنها «عيديتي» مع أبنائه وبناته وفي مقدمتهم الإبن الأكبر أخي مشعل.. وكذلك قيامه ومساهمته وجهده في تأمين أول سيارة أمتلكها في حياتي.. ومساهمته بالتالي في تدريبي على قيادة السيارة.. ومشوار طويل وكم غزير من المواقف الإنسانية.. لعل منها زيارته لوالدي رحمه الله في المستشفى يوميا برفقة أم مشعل.. وحضوره إلى منزلي عقب وفاة والدتي رحمها الله بثلاث ساعات إن لم تكن أقل.. وأشياء أخرى كثيرة ومتعددة..
وأقول بكل صدق وأمانة إن ما أشرت اليه آنفا يعد إيجازا لتارخيه الشخصي معي ومع أفراد أسرتي.. ولكن عندما نكتب عن علاقته مع الآخرين فالأمر يتطلب مجلدات.. تاريخه حافل بالمواقف الإنسانية الرائعة ومعظمها غير معلنة.. لم يطلع عليها إلا من عايشه عن قرب.. علاقاته وطيدة مع الفقراء والمساكين والأيتام.. علاقاته متميزة مع فاعلي الخير وأصحاب الصدقات.. علاقاته مع زملائه في العمل قبل وبعد التقاعد أكثر من متميزة.. ترى ماذا سأقول.. والمجال لا يتسع لذلك.
وختاماً أوجه كلامي ليس لأبنائه وبناته فقط وإنما أوجهه في البداية.. لأم مشعل.. وجه الخير والصلاح والوفاء وأقول: أم مشعل.. رحل أبو مشعل.. ولم يخلف العمائر والقصور.. والمحافظ الاستثمارية.. بل رحل مخلفا ثروة كبيرة ومتميزة من السمعة الطيبة في كل مكان.. الأغنياء والفقراء والمساكين والأيتام.. والزملاء والجيران والأقارب.. كلهم يتفقون على محبته وتقديره والدعاء له بالمغفرة والرحمة.. وسوف تظلين يا أم مشعل لي ولمشعل وإخوانه واخواته رمزاً للمحبة والتقدير والوفاء والتوجيه.. رحمك الله يا أبا مشعل.. وسلمت لنا يا وجه الخير أم مشعل..
محمد بن نهار
***
أين «الكيس» الذي يحتوي الجلسة العائلية الدافئة؟
في صفحتك التي كثيرا ما تطرح قضايا هامة تمس كل أسرة وذلك كما في مقال الأخ خالد عبدالعزيز الحمادا الذي نشر بتاريخ 25/5/1424هـ والذي أشار فيه إلى غياب الحوار الهادئ مع الأبناء، أقول إن الأمر أكبر من ذلك، إذ إن صاحب الحوار برمته غائب عن الدار أصلاً مع انه يسكن معهم!!! واسمحوا لي أيها القراء ان أحاور ولي الأمر هذا وليتسع صدره وصدوركم لذلك، فأقول لهذا الأخ:
عندما تغيب الوقت الطويل والمتكرر عن البيت وعن الزوجة والأولاد ومشاركتهم أفراحهم، عن البنات وما يدور في خواطرهن، عن الأطفال الذين هم في أمس الحاجة لحنوك وعطفك وعن.. وعن.. وعن..
عندما تغيب عن ذلك كله ماذا تعتقد ان سيؤول إليه أمر بيتك الذي صنعت حاله بيدك؟؟؟ يعتقد بعض الناس خطأ ان توفيره المادة وسؤاله قبل الخروج من البيت «ماذا تريدون أن أحضر وأنا راجع» وعندما يعود ويداه مثقلة بالأكياس والأغراض يعتقد خطأ انه قام بواجبه ويشعر بالقرب من الكمال!! إذ لم يبخل عليهم بشيء وأحضر لهم كل ما يريدون!! أقول لصاحب الأكياس هذا، ما أكثر الأكياس التي لم تحضرها!! فأين الكيس الذي يحتوي الجلسة العائلية الدافئة؟ وأين الكيس الذي يحوي التربية وما تشمله من حوار وسؤال عن حال الابن، وحال البنت؟ أين الكيس الذي يحتوي قوله عليه الصلاة والسلام «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، ثم أين الكيس الذي فيه مشاركة هذه الأم التي تركتها وحدها تجابه مصاعب التربية وقد أرهقها تمرد الأولاد الذين اشتد عودهم وما عادوا صغاراً يسهل عليها اخضاعهم، أين أنت منها إنها في أمس الحاجة إليك، لماذا جعلت الحمل كله عليها مع ان المسؤولية جلها عليك.
قل لي بالله عليك لماذا تركتها وحدها؟
عندما تكون بهذه الصورة أيها الحبيب وأرجو ألاّ تكون لا تتعجب كثيراً عندما تأتيك مكالمة هاتفية تطلب منك الحضور لمركز المرور لأن ابنك بفضل اهمالك انضم إلى قافلة المفحطين، أو يخبرك جار أو صديق غيور عليك وعلى أولادك انه اصبح من المدخنين، أو تكتشف صدفة ان رفقاءه الذين يجالسهم ليل نهار أسوأ مما كنت تتصور وتأمل، أو تلاحظ بعد فوات الأوان ان ابنك أصبح حاد التعامل، متقلب المزاج، سيئ العشرة مع أهله وذويه، هو أقرب إلى العقوق منه إلى البر، لا تنزعج كثيراً لأنها عدالة!! فأنت لم تتعب نفسك في تربية أبنائك، وجعلت الوقت كله متعة لك، استراحات، سفر وسياحة...!!!، كسبت المتعة وخسرت أولادك وبيتك!!! أنا لا أقول بأن لا تمتع نفسك بما أباحه الله لك، ولكن دون أنانية تعود عقباها بالسوء، عليك وعلى من يحبه قلبك، إنني واثق أنك ذو قلب حي إن شاء الله فلنستعن بالله ونتعاهد مع أنفسنا بأن نبدأ من جديد والمطلوب شيئان فقط:
تنظيم الوقت.
إعطاء كل ذي حق حقه.
عبدالله حمد الدليقان - عنيزة
|