تثاقلَ الخطوُ وامتدَّتْ بِيَ الطُّرُقُ
ونامَ فوقَ جفوني الهمُّ والأرقُ
وفِي فُؤادي صَحارى الحزنِ يَلسعُني
هجيرُها وبنار الصِّبرِ أَحترقُ
غَصصتُ بالَّدمع لَمَّا لَم أَجدْ أَحداً
أشكو لهُ كلُّهم عنِّي قدِ افْترقوا
وخلتُ أنَّ الدَّياجي جَحفلٌ لَجِبٌ
فكدتُ بينَ غبارِ الخوفِ أَختنقُ
أمشي وخَلفي صُروفُ الدَّهرِ تُلهِبُني
سِياطُها، وبغيرِ اللّهِ لا أثقُ
أسابقُ الرِّيحَ إنْ طيفٌ بدا أملاً
حتّى إذا جئتُهُ فالدَّمعُ يَستبقُ
أَحيا على ذكرياتٍ من دمي رُويتْ
ففرَّعَ الغُصنُ، واخضرّتْ بِهَ الورقُ
أبي، رحلتَ وفي عينيَّ أسئلةٌ
حَيرى وبينَ ضُلوعي أُشعِلَتْ حُرَقُ
لم أنسَ يومَ أتى النّاعي وقد غرقتْ
في دمعِها مُقلٌ والصَّبرُ مُنغلقُ
وراعنِي يومَها مَوتُ الحياةِ على
كلّ الوُجوهِ وموجُ الحزنِ يَصطفقُ
أَبِي رحلتَ زكيَّ النَّفسِ مُتَشحاً
ثوباً يُزيِّنُهُ الإِحسانُ والخُلقٍ
أهفو إِليك فُؤاداً فاضَ مرحَمةً
عَلى بَنيهِ ووجهاً باتَ يَأْتلقُ
وقامةً فِي ثباتٍ للعُلا سَمقتْ
وحكمةً لَمْ يَشِنْها في الورى نَزَقُ
أَبِي رحلتَ وقدْ خلَّفْتَ مُنتظراً
ما جاوزَ العَشْرَ يَطوِي جِسمَهُ الرَّهَقُ
يَبكي ويَصرخُ يا أمَّاه أَينَ أَبِي؟
ما بالُهُ لَم يَعُدْ ..؟ أَزرى بِيَ القلقُ
قُولِي سَيأْتي ولكنْ رُبَّما عَرضتْ
لهُ عوارضُ أَو طالتْ بهِ الطُّرُقُ
قُولي سيأْتي قُبيلَ العَصرِ في وَلهٍ
أو حينَ يَحمرُّ في أرجائنا الشَّفقُ
قُولي تأَخَّر فِي شُغْلٍ وسَوف تَرى
إشراقةَ الوجْهِ حينَ الفجرُ ينبثقُ
قُولي وقُولي أذيبي في مُخيِّلتِي
صمتاً تكادُ بهِ السَّاعاتُ تنفلقُ
أَبي وعشرونَ عاماً مَا رأيتُ بِها
إلا سهامَ الأسى تفري وتَخترقُ
رحلتَ دونَ لقاءٍ يُرتجى فذَوى
رَوضي وأجدبَ فيهِ الشَّدوُ والعَبقُ
وجُرِّعَ القلبُ كأسَ السُّهْدِ مُذْ غَربتْ
شَمسَ الحبيبِ وأجرتْ دمعَها الحدَقُ
كم بتُّ أحملُ آلامي أنوءُ بِها
في وحْشةٍ ودُروبِي لفَّها الغَسقُ
سامرتُ نَجمَ الدَّياجي حين أنكرنِي
صحبِي ورانَ عليَّ اليأْسُ والفَرَقُ
أَبثُّهُ بعضً ما بِي غَير أنْ يَدي
مُدَّتْ إليهِ فعادتْ والمنَى مِزقُ
أبِي سكنتَ جِنانَ الخلْدِ مُتَّكئاً ...
بإذنِ ربِّكَ لا هَمٌّ ولا أرقُ
حَصدْتَ ما زرعتْ كفَّاكَ حينَ زكَا
فِي حقلكَ الزَّرعُ مُشتدّاً بهِ العَذقُ
سَقى ضريحَكَ صَوبُ الغيثِ ما سجعتْ
حَمامةٌ، وتَراءى البدرُ يأْتلقُ
أرجو منَ اللّّهِ أنْ ألقاكَ يا أبتي
في جنَّةٍ قدْ أُعدَّتْ للأُلَى صَدقوا
كادتْ تَفيضُ عليكَ الرُّوحُ من أسَفٍ
لولا يقيني بأنّا سَوفَ نَفترقُ