Wednesday 30th july,2003 11262العدد الاربعاء 1 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
تهمة التعصُّب باطلة
عبدالرحمن صالح العشماوي

لا تزال هنالك كلماتٌ تُلقى على عواهنها لأغراض سياسية، تتناقلها أفواه السياسيين، ثم تنتقل إلى الإعلاميين، ويردِّدها معظم المفكرين والمثقفين تبعاً لهم، حتى تتحوَّل إلى مصطلح يتخذ صفة الثَّبات، ويتناقله الناس بينهم بمدلوله السياسي «المخالف» لمدلوله الصحيح الذي يبرأ من كل المعاني السياسيَّة التي أُلصقت به زوراً وبهتاناً.
ومن تلك الكلمات كلمة «التعصُّّب» التي رَمَى بها ساسة الغرب كلَّ ملتزم بدينه من المسلمين قاصدين بها التشدُّد والغلوّ والإفراط في التديُّن إلى درجة ينغلق معها باب التعامل مع غير المسلمين، وسرت هذه الكلمة على ألسنة الإعلاميين بصورة مركَّزة وانتقلت إلى غيرهم حتى أصبحنا نراها دائرةً في معظم ما يعرض من حوارات حول التديُّن وحتى أصبح بعض مثقفي المسلمين يبذلون جهوداً لنفي صفة التعصُّب عنهم، وأنهم أصحاب سماحة وليونة تجعلهم بعيدين عن هذه الصفة التي يزعم الأعداء أنها من الصِّفات الشنيعة التي يجب على المسلمين محاربتها إذا أرادوا الدخول في منظومة المدنيِّة المعاصرة.
وحينما نعود إلى لغتنا العربية الفصحى لنطلب منها مشكورة بيان معاني هذه الكلمة، وهل هي دالَّةٌ فعلاً على الغلوِّ في الدين، أم أنَّ لها معنى آخر يمكن أن يكون مناقضاً لهذا المعنى السياسي الذي يروِّج له الغرب، والمنخدعون بما يقوله من أبناء المسلمين؟
قالت لنا لغة القرآن الخالدة التي ما زلنا نبدع في أساليب هجرها والتهاون بها مع الأسف الشديد عَصَب عَصْباً، الشيء لواه، وطواه، والقُطن غَزَله وشدَّه إلى بعضه، وعصب القوم بالشيء: اجتمعوا وأحاطوا به، وعصَّب بتشديد الصَّاد: معناه شدَّ رأسه بالعِصابة وجعله سيِّدا، تعصَّب له ومعه: مال إليه وجدَّ في نُصرته، وتعصَّب في دينه ومذهبه: كان غيوراً فيهما مدافعاً عنهما، العصبيَّة: شدَّة ارتباط المرء بعصبته أو جماعته، والجدّ في نصرتها والتعصُّب لمبادئها، والتعصب في المناقشة: عدم قبول الحق عند ظهور الدليل بناءً على ميلٍ إلى جانب.
هكذا تضع لغتنا العربية الحبيبة هذه المعاني الواضحة الجليَّة لكلمة «التعصُّب»، وهي كلُّها مخالفةٌ لما يقصده الذين يطلقونها على الملتزمين بدينهم والحريصين على إقامة شعائره من المسلمين، وإذا علمنا أن المسلمين الملتزمين بدينهم على بصيرة وهدى يرفضون التعصُّب الأعمى للرأي حين المناقشة، ويعدُّون عدم قبول الحقِّ المخالف للرأي عيباً ومَثْلبةً، أخرجنا المعنى السَّلبيَّ لهذه الكلمة من دائرة موضوعنا هنا، وبقيت معنا المعاني الأخرى التي تجعلنا نقبل بهذه الكلمة وصفاً للالتزام بالدين والغيرة عليه والدفاع عنه، وتجعلنا نعتز بحرصنا على الجماعة وجمع شملها وشدَّة الارتباط بها، والجدّ في نُصرة مبادئها الصحيحة السليمة، وهذا هو معنى الالتزام بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، وهو معنى حثِّ الإسلام على لزوم جماعة المسلمين وعدم إثارة الفتنة بينهم سواءُ أكانت الفتنة داخلية أم خارجية.
وبناءً على هذه المعاني الواضحة، فإنَّ التعصُّب لا يُعدُّ مَثْلبةً ولا عيباً ما دام بهذه الصورة الجليَّة التي حاول الآخرون إخفاءها في خضم الدعاوى الباطلة التي يُطلقونها، وبناءً على ذلك، فإنَّ كلَّ من يغار على جماعته ودينه ويدافع عنها يسمى متعصِّباً، فالأمريكي متعصِّب لدولته ومبادئها وإن كان قد خرج الأمر به في هذه الفترة من التعصُّب إلى الغلوِّ والمبالغة والفرنسي متعصِّب، والبريطاني متعصِّب وهكذا كل من له دين وجماعة وبلد يميل إليه، ويغار عليه ويدافع عنه.
وديننا الحنيف قد وضع أمامنا صورةً جليَّة لمعنى تجاوز الحد والغلوّ المذموم في الدين أو في غيره فسمى ذلك الغلوّ ونهى عنه نهياً صريحاً واضحاً في كثير من نصوص الكتاب والسنة، ولغتنا الخالدة تقول: إن معنى غَلاَ في دينه: شدَّد وتصلَّب حتى جاوز الحدَّ وأفرط وبالغ، وهنا تتضح لنا الصورة، ويتبين لنا الضعف الذي نعيشه أمام أعدائنا الذين يروِّجون لما يريدون ونحن لهم تابعون.
إشارة:


إنْ كان بعدُ المرء عن إيمانه
داءً فإنَّ القُرْب منه علاجُ

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved