* تقرير - أحمد الفهيد:
يتمتع المسلمون حول العالم بوجود خيارات إسلامية وحلول منهجية على مختلف الصعد.
ولعل حفظ رفاهية الانسان، ومستوى معيشته يعتبر من أهم أولويات هذا الوحي الرباني..
حتى ان أطول آية في كتاب الله الكريم كانت عن تفاصيل الدَّيْن!
ويعتبر المسلمون نجاحهم في حياتهم العملية، وتقدمهم في ميادين الحياة، عملاً دعوياً، بل من أفضل الأعمال الدعوية التي يدعون فيها الناس إلى الالتجاء إلى التنظيم الرباني للحياة، وفق نواميس إلاهية وسنن استنها الله سبحانه وتعالى وليكونوا بذلك «دعاة» يدعون إلى الله بالحكمة، والنماذج الحسنة.
وكما هي بقية الحلول الإسلامية في الأنظمة والأحوال الشخصية والسنن والشرائع والمعاملات البشرية، فقد كان التشريع الإسلامي تشريعاً إنسانياً بمعنى الكلمة، لمراعاته الظروف الحياتية اليومية، التي تحافظ على توازن الجوانب الحياتية والأخلاقية في تشريعاتها. لتطرح بذلك حلولاً أكثر انسانية من تلك الحلول الميكانيكية التي تعرضها النماذج «العولمية».
كما ان هذا النظام يكفل عدالة وتساوي الفرص بين أطراف الشراكة.. بناء على تساوي الواجبات والفرص مع اختلاف العين، بما يمنح الاثنين فرصة التفاوت في قيمة الاستثمار والربحية.. ولكنه التساوي عند الخسارة!
إنها معادلة صعبة لا تبدو بهذه السهولة أيها السادة!
كما أن هذا النظام يتمتع بوجود حلول استثنائية وكذلك موارد أساسية للعاجزين عن السداد بتنظيم والتزام أخلاقي لا يسمح بالتلاعب.. على الرغم من أخلاقيته!
إلا أن الأخلاقية تمنحه مزيداً من الصرامة.. وليست نوعاً من الاستثناء الفضفاض.
كما أن الحل الإسلامي، أو المصارف الإسلامية مفيدة في دعم وتسريع عجلة النماء الاقتصادي والاستثماري في الحدود الطبيعية التي لا تجلب الندامة على مستوى الاقتصاد الكلي أو الافراد، وهي تساعد على حركة السوق والتجارة وسرعة دوران النقود وتضمن نمواً متزناً في طبقات المجتمع ولها آثارها الفعالة في قضايا التمويل.
لنجدها بالتالي نظاماً فعالاً أكثر من غيره، وخياراً تسويقياً مستقبلياً واستراتيجياً مرشحاً لتجاوز كثير من «تحكّمات» وضغوط البنوك الدولية، خصوصاً في ظل اسواق استثمارية واعدة مستقبلاً.
وأعتقد أنها رهان مستقبلي مرشح لمواجهة خيارات العولمة، فليس هناك من يعرف ديننا، أكثر منا نحن المسلمين في العالم.
ولعل البنوك الإسلامية تعتبر خياراً فعّالاً ومجدياً حتى للعملاء من غير المسلمين، وأقصد أن البنوك الإسلامية مرشحة لمنافسة في السوق العالمية بتصدير ما يمكن تصديره من هذه الخيارات بعد دراستها بشكل مستوف، واسنادها بخبرات مصرفية وتسويقية كبيرة في هذا المجال.
نشاط البنوك شقان
على الرغم من اختلاف المسميات التي يطلقها بعضهم على الأنشطة البنكية المعروفة والمتداولة، إلا أن البنوك الإسلامية في المقابل لها اسم واحد.. هو «البنوك الإسلامية»!! وليست عبارة فضفاضة يستطيع أي أحد يمارس تفسيرها حسب فلسفة المنظمة أو البنك أو حتى المستثمرين فيه.
وإنما هي ملتزمة بمقاييس معينة لا يمكن القفز فوقها، ولكن يمكنها دحض عللها، وتنقية تعاملاتها من الشوائب.
ويتركز نشاط البنوك والمصارف على شقين، هما الاستثمار والتمويل وهنا تبرز ملامح الحلول البنكية الإسلامية.. مقابل ما يطلق عليه البنوك التجارية أو التقليدية أو حتى «الربوية» وذلك من خلال قدرة البنوك الإسلامية على تنقية أعمالها من الشوائب والطوارئ التي قد تدخل بعض المعاملات فتحورها من مغزاها التجاري إلى اتجاه آخر قد يقود للربا الواضح أو المستتر.
قال تعالى: {وّأّحّلَّ اللهٍ البّيًعّ وّحّرَّمّ الرٌَبّا } وأفهم هذه الآية على أنها إباحة للبيع الذي قد يتحول إلى ربا دون أن يشعر المرء!
ولكن الله يؤكد على أن الفرق بينهما شاسع في الآليات، والآثار.. وليس في النتائج المباشرة!
وهنا يكمن دورنا في البحث والتنقيب واستدرار الآليات لإعطاء مزيد من الفاعلية لنماذجنا الاقتصادية الإسلامية، التي تمثلنا ولا نمثلها!
الحلول الاستثمارية
تقوم الفلسفة الاستثمارية الإسلامية، على مبدأ تقاسم الربح والخسارة، كما ان كافة موجودات البنوك الإسلامية قابلة للمخاطرة المالية ويتم تحملها بالتساوي بين البنك والعملاء بما يوفر حماية أكبر لكافة الأطراف. مما يعني متانة السوق بالتالي.
فكما انه يمنح العملاء الفرصة لاقتسام الارباح في الظروف المالية الحسنة، إلا انه أيضاً يشترك معهم في تقاسم الخسارة بشكل يحد من آثارها، وذلك على النقيض من البنوك التقليدية، التي تتحمل الخسارة لوحدها مما يعرضها لمخاطر الافلاس، كما أنها تنفرد بالحصة الأكبر من الارباح في حالة الظروف المالية الجيدة.
الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من التقييد للأنشطة الاستثمارية من جهة البنك، وحصر نشاطه في محافظ محدودة.
كما ان البنوك الإسلامية تمنح العميل حافزاً اضافياً هو «البونص» الذي يحصل عليه في حالة سداده المبكر.
وعند حدوث أي هزة مالية تنعكس سلباً على موجودات البنوك التجارية مما يؤدي إلى آثار سلبية ومؤثرة على العملاء.
كما أن البنوك الإسلامية لا تعمل على أساس «دائن» فقط! بقدر ما تعمل على أسس متساوية في الأسهم والحصص، الأمر الذي يمنح البنوك الإسلامية قوة في مواجهة الهزات المالية وامتصاصها، حيث توزع بنسبة متساوية على بقية المودعين، وكذلك هو الحال عند تحقيق الارباح.
واللوائح والنصوص التي تؤطر هذا النظام واضحة وصريحة للغاية، وتتيح للمستثمر أو الجهة المودعة اتخاذ قراره بحرية كاملة لأنه سوف يتحمل جزءاً من الخسارة لو حدثت، وبنسبة تحسب على أساس حجم ابداعاته.
اضافة إلى الفروقات بين »شهادات الاستثمار» في البنوك التقليدية، و«شهادات المساهمين» في البنوك الإسلامية.
كذلك نجد أن البنوك التجارية تقوم على الإقراض «التسليف» على المدى القصير وفق شروط وضمانات ثابتة، والغطاء بين معدلات الفائدة ليس كافياً لامتصاص الهزات المالية التي يمكن ان تحدث.
مثال
ولتوضيح الفارق بين مسؤولية والتزامات وعوائد البنوك الإسلامية مقارنة بالبنوك التجارية، نستعترض هذا النموذج الافتراضي «على افتراض ان البنوك لا تحتفظ بأي نسبة كاحتياطي قانوني لدى البنك المركزي».
فلو أن هناك مصرفين أحدهما إسلامي والآخر تقليدي، وينضويان تحت مظلة بنك مركزي واحد. وتم السماح لكل واحد منهما برأس مال مدفوع يبلغ 100 مليون ريال، بالإضافة إلى ارصدة نقدية لدى البنك «الودائع» الذي يبلغ 1500 مليون ريال، وبذلك يصبح اجمالي الاصول «رأس مال + حقوق مودعين» لكل بنك 1600 مليون ريال.
وقد اعتمد كل بنك أرباحاً على القروض بنسبة 11% أي اضافة 165 مليون لكل منهما.
وقد تعرض المصرفان لهزة مالية وخسارة تقدر بـ40 مليون ريال، دفع من أجلها البنك التقليدي مبلغ 150 مليون للمودعين مقابل نسبة 10% كفوائد على الودائع والمتفق عليها مسبقاً والمقدرة «فرضاً»!
في حين ان البنك الإسلامي لم يقم بدفع أي شيء للمودعين إلا بعد اعتماد الميزانية وتوزيع الأرباح والخسائر، وكذلك بعد دفع كل النفقات.
فلنطالع موقف المصرفين «حسب المثال» لنجد ان الرصيد المتبقي لدى البنك التقليدي بلغ 75 مليون ريال، وهو اقل من رأس المال المدفوع، مما يعني عجزه حسب أنظمة البنك المركزي.
أما البنك الإسلامي فيقوم بتوزيع فوائد على الودائع على أساس 6% من اجمالي الـ1500 مليون ريال «90 مليون ريال».
وبذلك يبلغ الرصيد المتبقي للبنك الإسلامي 135 مليون ريال، اي انه يتمتع بمركز مالي جيد، حسب أنظمة البنك المركزي.
وهنا نجد ان البنك التقليدي قد عجز لأنه تحمل الخسارة بمفرده أمام العملاء، والمودعين، بينما تحمل البنك الإسلامي الخسائر مع المودعين لديه، ولذلك لم يتأثر البنك وبالتالي لم يتأثر أحد!
الأمر الذي يجعل النظام البنكي الإسلامي مرشحاً لسوق واعدة في دول العالم الصناعية. فهو مناسب حتى لغير المسلمين، ويضمن تساوي الفرص وأحقية المستثمر في الفرح بربحه وادعاء كسبه وانجاح استثماره.
وبالتالي هو يمنح العميل مشاركة انسانية في الاستثمار، ويمنح البنك الجيد الذي يملك عقولاً جيدة ان ينافس في المحافظ الاستثمارية الواعدة، دون وعود.. آمنة!
وبالتالي يسرع في حركة عجلة الاقتصاد ويمنح السوق الاستثماري حيوية مستمرة ونشاطاً طبيعياً بتنام مستمر.
السوق السعودي
وبغض النظر عن المزايا الاستثمارية، إلا ان المسلمين حول الارض يفضلون التعامل بالنظام الإسلامي لمزيد من الاطمئنان على سلامة أعمالهم وأموالهم مما قد يعكر التمتع بنعمة المال والربح والتجارة المضاعفة.
ولذلك فسوق الخدمات البنكية يركن بشكل رئيس لمثل هذه القاعدة الكبيرة في السوق، مما يؤدي إلى تباطؤ في استحداث وتطوير الأساليب البنكية الإسلامية، قبل نشر الفروع أو التسويق لها.
ويعود ذلك إلى عدة أسباب، جزء منها له علاقة بالثقافة لكون هناك بعض الخبرات والعقول التي تميل لعدم العمل في البنوك، وجزء آخر عائد لارتفاع تكاليف الخدمات المصرفية الإسلامية بحكم ندرتها، وتوافرها المحدود لدي بعض البنوك أو بعض فروعها.
الأمر الذي يوحي بضرورة تكاتف الجهود، والتركيز المشترك على النهوض بهذه الخيارات التي هي رهان مستقبلي، حتى مع فتح الاستثمار في السوق السعودي امام المصارف العالمية، سواء كان ذلك على شكل اندماجات جديدة، أو حتى بنك اسلامي مشترك تساهم في تمويله البنوك المحلية مجتمعة.
وقد توجهنا بهذا السؤال إلى سعادة الاستاذ عبدالله باحمدان رئيس مجلس ادارة البنك الاهلي التجاري، وهو احد البنوك السعودية التي سجلت مؤخراً ملامح بارزة في السعي المستمر لتحديث فروعها بالانظمة البنكية الاسلامية، وسجلت ريادة توحي بوجاهة سؤالنا السابق، عن ماهية الخطة المستقبلية بعيدة المدى للبنك الاهلي كتجربة، وهل يمكن ان نتوقع نوعاً جديداً من التحولات أو الاندماجات.
وقد اكد باحمدان من جهته على ان سياسة البنك تفضل ان تكون الخطى ثابتة، وإن كانت بطيئة!، تجنباً للتعثر والفشل، اضاف:
نحن حريصون على الاستفادة من التجارب السابقة، وقد قطعنا شوطا كبيرا في هذا الاتجاه، سنواصل إن شاء الله لحين وصولنا إلى النقطة التي يمكننا ان نحقق «كل» أو «معظم» العمليات البنكية في التوجه الاسلامي.
جاء ذلك في سياق تصريحه الخاص لتقرير «الجزيرة» حيث توجهنا بسؤال آخر حول ماذا اذا كان لدى البنك توجهات مستقبلية نحو افتتاح فروع اسلامية خارج المملكة؟
نعم، لدينا فرعان احدهما في البحرين وهو فرع نشيط ولديه ادارة كبيرة في الخزينة وادارة كبيرة في الاستثمار التي تدير العمليات المصرفية الاسلامية ومرتبطة بادارة الخدمات المصرفية الاسلامية.
واختتم الشيخ عبدالله باحمدان تصريحه ل«الجزيرة» بالتأكيد على التوجهات الصادقة لتجربة البنك الاهلي وتوسعه في هذه التجربة، رداً على سؤال توجهنا به بهذا الخصوص، وهو:
هل يمكن ان يعتبر لجوء البنك الاهلي إلى الخيارات المصرفية الاسلامية كنوع من الخيارات الاستثمارية، اكثر من كونه خياراً استراتيجياً؟ لكونها من اكثر الخدمات ربحية، اضافة إلى سهولة تسويقها خصوصاً في مجتمع كالمجتمع السعودي؟
اعتقد لو كان هذا توجهنا، لم نصرف مبالغ كبيرة على تأسيس ادارة كاملة لهذه الخدمات، اضافة إلى المبالغ التي تصرف على المنتجات والابحاث! بالعكس! نحن توجهنا صادقين ونتمنى ان يكون ناجحاً وان نتمكن من تحقيق الهدف.
ويبقى شيء
بقي ان نعيد النظر في فهمنا الاجتماعي لطبيعة الاعمال البنكية، ودعم هذا القطاع بأفضل الكوادر المسلمة والمؤهلة.
ويبقى الاستثمار البحثي والمعرفي في آليات الاقتصاد الاسلامي، هو الاستثمار الاكبر.. والربحية ذات المردود الاعلى على الانسانية.
|