ما هو الولاء الوطني؟ أي بمعنى آخر كيف تكون وطنياً..؟ هناك أناس يهتفون في كل وقت: يعيش الوطن.. يحيا الوطن.. كلنا فداء الوطن، ولكن هؤلاء وحالما يحتاجهم الوطن او يتعرض لأي مكروه سيكونون أول من يفر، مثلهم مثل فئران السفينة، فالوطن بالنسبة لهم شعار، وقس على هؤلاء من يتغنى بالوطن، لكنه يسرقه، بحجة أن مال الحكومة مشاع، وأن من حق أي مواطن، أن يسرق وينهب ويقفز، على كافة الأطر، التي لم توضع إلا للمحافظة على مكتسبات هذا الوطن، الذي نعيش معه منذ البدء في عقد تفاعلي، نأخذ منه ونعطيه، يحمينا ونحميه، يدافع عن حقوقنا وأمننا وسلامتنا، وندافع عن اسمه وقيمته وعدم امتهانه، أو المتاجرة به في الخارج، وفي مثل هكذا حالة، فإن لكل طرف: الوطن والمواطن، حقوقاً وواجبات، ومن الحق أن تكون هناك ملاحظات وشكاوى، ولكن الجذر يبقى سليماً ومعافى، هذا الجذر هو الحب والولاء للوطن، ومن يتعد على هذا الجذر فإن عدمه أحسن من وجوده!
وفي هذا الصدد أذكر أن صديقاً التقى مواطناً يابانياً، وقد قدم له ذلك المواطن خدمة، فطلب منه ان يكافئه نظير تلك الخدمة، فقال له ذلك المواطن: إذا أردت مكافأتي فإنني ارجو أن تساعد أي مواطن ياباني ترى أنه يمر بأزمة أو يحتاج الى خدمة.. نحن في بلادنا نحتاج الى دروس مكثفة وحضارية في التربية الوطنية، هذه التربية التي تجعلنا نحترم ونجل ونقدر كل من يأتي الى بلادنا عاملاً أو دارساً او مستثمراً، وأن نقدم لهم كل ما يحتاجونه من خدمة أو مساعدة، لا أن ننصب من أنفسنا أوصياء عليهم، نراقب حركاتهم وسكناتهم دون أن يكون لدينا تكليف رسمي بذلك - حتى أصبح هؤلاء الأجانب، يعيشون بالاسم على أرضنا، ولكنهم في الحقيقة غير مرتاحين في مجمعاتهم السكنية وشركاتهم التي قطعوا آلاف الأميال للعمل فيها.. هؤلاء - باسم الولاء لوطننا - بحاجة لمن يشعرهم بأنهم لم يبعدوا عن بلادهم، وبأن بلادنا ترحب بهم وتقدر مجهوداتهم وخدماتهم،... حتى يعودوا الى بلدانهم ومعهم ذكريات جيدة عن ابن الصحراء الذي يكرم من يطأ أرضه باحثاً أو دارساً أو عاملاً أو سائحاً!
هذا الولاء للوطن، طاف بخاطري، وأنا أقرأ تغطية للحوار أو اللقاء الذي جمع الأمير نايف بن عبدالعزيز بعدد من الكتّاب والصحافيين ومن هؤلاء رؤساء ومديرو تحرير صحفنا المحلية. في كل مرة يتحدث فيها الأمير نايف بن عبدالعزيز، كان يعطينا دروساً بالغة الدقة والشفافية، دروساً تقطر صدقاً ومحبة، دروساً تقول لنا بصريح العبارة: هناك العديد من الأمور المفتوحة أمامكم لتتحدثوا عنها، ولكنكم لا تتحدثون، لقد تحدث سموه الكريم عن أشياء مؤلمة نراها ونلمسها، ونتضرر أو نقلق أو ننزعج منها. وكان حديثه واضحاً وصريحاً، وهو يحتاج منا، ونحن في هذه الظروف العصيبة، أن نلقي الأضواء على كثير من هذه الأمور.
ومن يتأمل في الكوكبة المثقفة التي كانت تحيط بموحد هذه البلاد فسوف يرى أنه كان - رحمه الله - يأخذ منهم ويعطيهم، حتى أن بعضهم قطع صلته بدولته واختار جوار الملك عبدالعزيز، لقد كان الملك عبدالعزيز نبعاً من الحكمة وبعد النظر، كان حاكماً بحق، وشجرة وارفة عاش في ظلها آمناً مطمئناً كل من وطئت رجلاه ارض هذا الوطن وليس كل من ينطق بالشهادتين ويستقبل قبلة المسلمين، لذلك - نحن أحفاد عبدالعزيز - كان ألمنا عاصفاً ونحن نرى إلى أي حد يكون التطرف مدمراً.. وكل هذا يدعونا الآن لبتر هذا التطرف من أرضنا الطاهرة وبعد ذلك، علينا العمل دون كلل لزرع محبة الوطن وتسامحه في كافة القلوب فهذا واجبنا وهذه رسالتنا.. وطن للجميع ومحبته للجميع، وطن ينبذ التشدد والرؤية الأحادية.. وطن يبنى على التسامح والمودة ونبذ العنف.
فاكس: 4533713
|