Wednesday 30th july,2003 11262العدد الاربعاء 1 ,جمادى الثانية 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

وفاء يشتعل بالفراق !!!! وفاء يشتعل بالفراق !!!!
عبدالسلام سليمان العامر*



لم أزل بدمي أبكيكَ جاهدةً
حتى بقيتُ بلا عين ولا جسد

حين يعتاد الشخص على العيش في مكان ما فيشعر انه أصبح جزءاً من هذا المكان في سكناته وحركاته وحتى أفعاله وفي بعض الأحيان قد يرتبط في مصيره وحين يرحل عنه غير مخير فانه سوف يسايره الشوق والحنين له!! فما بالك حين يكون ذلك المكان إنساناً أحببته من الأعماق واحتويته بين الجوارح ومقلة العين وأحسسته في كل نبضةٍ من نبضات القلب يزيد بالحب والوله والشوق له والعين تزيد هاملها وقد تبيض من كثرة البكاء، وفي اعتقادي ان المرأة أكثر حباً ووفاءً من الرجل ليس هذا انه لا يوجد رجال أوفياء بل المرأة أصدق حباً ووفاء في العصور الماضية، قرأنا عن لوعات الحب العذري ومجانينه وقيس ابن الملوح واحد من أوفى رجال العرب في الحب وهناك من النساء اللائي بقين على الود والحب لأزواجهن أو لمن أحببن أزمنة حتى ولو فقدنهُن أجساداً بقوا في صميم القلب، وهناك أمثلة رائعة لسيدات في مجتمعنا توفي أزواجهن وهن في قمة شبابهن وأناقتهن وبقين دون زواج حتى ان البعض منهن لم يلبسن حلياً أو يضعن مساحيق زينة على أوجههن بعد فراق أزواجهن تكريماً ووفاء وإخلاصاً لهم وهم تحت الثرى في قبورهم فكل شيء يذكرهن بهم ... همساتهم ... ضحكاتهم ... ودهم... أبناؤهم ... إخلاصهم وعشرتهم الحسنة.
وفي قصص العرب الخالدة كثير من الروايات عن الحب الصادق حتى الموت وأروي لكم واحدة منها علها تثبت كلامي ورأيي عن المرأة ووفائها والذي قد لا يأخذ به بعض الرجال.
يقول محمد أبو الندى كنت في حضر جنازة نجدة ابن الأسود ابن عم الذلفاء بنت الأبيض ... فيقول: أقبل نسوة يتهادين «يتمايلن» في مشيتهن فيهن امرأة قد فاقتهن طولاً، كالغصن الرطب، وإذ هي الذلفاء، فأقبلت حتى أكبت على القبر، وبكت بكاء محرقاً، وأظهرت من وجدها حتى عاتبتها النساء وقلن لها: يا ذلفاء، انه مات السادات من قومك قبل نجدة، فهل رأيت نساءهم قتلن أنفسهن عليهم؟ قامت فانصرفت عن القبر وقالت:


سئمتُ حياتي حين فارقت قبرهُ
ورُحتُ وماء العينِ ينهلُ هاملُه
وقالت نساء الحي: قد مات قبلهُ
شريفُ فلم تهلك عليه حلائله
صدقن، لقد مات الرجالُ ولم يمت
كنجدة من إخوانه من يُعادلُه
فتى لم يَضق عن جِسمِه لحدُ قَبرهِ
وقد وسع الأرض الفضاء فضائلُه

ولا يقف الحب والشوق بمجرد إهالة التراب والبعد عن من أحببنا بل تبدأ المصاعب والوجدان والآهات والآلام حتى قد تصل إلى حد العزلة والانطواء عن المجتمع إن هي سيطرت واحتوته عاطفته الجياشة وكبلته فسوف يكون إنساناً كسيراً وقد لا يشعر من حوله بآهاته وعذاباته ولكن هو الحب ومنه ما قتل ...
يقول أبو الندى انه وبعد حول من وفاة ابن عم الذلفاء رأيتها قد أقبلت حتى أكبت على القبر، وبكت بكاء شديداً، ثم أنشأت تقول:


يا قبرَ نجدة لم أهجُرك مقلية
ولا جفوتُك من صبري ولا جَلدي
لكن بكيتُك حتى لم أجد مدداً
من الدموع ولا عوناً من الكمد
وآيستني جفوني من مدامعها
فقلت للعين: فِيضي من دم الكبِد
فلم أزل بدمي أبكيكَ جاهدةً
حتى بقيتُ بلا عين ولا جسد
والله يعلمُ لولا الله ما رضيتْ
نفسي عليك سوى قتلٍ لها بيدي

إن وجد المرأة ولوعتها لمن أحبته لا تمحوه السنين بل تزيد لياليها ألماً وشوقاً وتذكاراً لا ينضب فهو حب حقيقي نابع من أحاسيس ومشاعر صادقة تكونت وتأصلت في النفس وتغلغلت في شرايين القلب الذي احتواه وحفظه في كل نبضة من نبضاته. إذاً أيهما أوفى وأصدق في الحب الرجل أم المرأة ؟؟
* مشرف تربوي في تعليم حائل

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved