مثلك مثل غيرك سبق لك أن ضقت ذرعاً ب(الحوسة..!) التي كان عليها مكتبك.. أو مكتبتك المنزلية.. أو حتى مطبخك.. أو ما شابه ذلك..، الأمر الذي بدوره دفع بك إلى الإقدام على ترتيبها بكل جدية ونشاط بطريقة أراحتك بعد ذلك نفسيا، بل إن سلبيات غرفتك هذه قد تحولت لديك بعد الترتيب إلى إيجابيات، حيث اتسعت في ناظريك مساحتها واكتست في ذهنك برداء من التقبل والراحة، هنا فأنت بإقدامك على تنظيف غرفتك هذه قد بادرت فهزمت عوامل الكسل والتأجيل فيك، حيث أزحت عنها ما يجب إزاحته ورتبت فيها ما يجب ترتيبه معيداً إليها جمالها الأساسي.. أو فلنقل بريقها الأصلي (النفسي) الذي طاله الغبار وطلته التراكمات.
وبالقياس فلعلك تعلم أن لكل شيء في الحياة أوراقاً يتوجب ترتيبها بعد كل حين وآخر..، فكما أن لمكتبك أوراقاً فلنفسك أوراق أيضاً من المفترض أن تسعى دورياً إلى إعادة بريقها الأصلي وذلك بترتيبها وإزالة ما حان أوان زواله منها، والسؤال الذي قد يكون عبر مخيلتك الآن هو: (كيف يتسنى لي ترتيب أوراقي النفسية؟).. حسنا إن مجرد طرحك لهذا التساؤل هو نصف العلاج.. حيث إن فيه إقراراً ضمنياً منك بأن لديك من الأوراق النفسية ما هو بحاجة ماسة إلى الترتيب..، عليه فدعني أقول لك نعم هناك من الأوراق النفسية ما يجب عليك رميها للأبد في سلة نفاياتك الذهنية،.. افعل ذلك مستعيناً على نسيانها بالنسيان.. وبالمناسبة فهذه الأوراق تشمل كل ما سبق لك في الماضي أن اقترفته من أخطاء تمت توبتك النصوح عنها.. كما أنها تشمل أيضاً كل ما لا حيلة لك في إصلاحه أو تغييره أو إعادته إلى وضعه الأصلي السابق. إنه يتوجب عليك أن تتذكر إنه إذا كان (حكي في الماضي نقص في العقل) كما تقول العامة، فمجرد التفكير فيما مضى لا يصبح نقصاً في العقل فحسب بل إنه نقص من شأنه إنقاص مناعة الجسد أيضاً، فهيا تعلم كيف تكون انتقائياً مع أحداث ماضيك غير السارة، فلا تأخذ منها سوى ما يبعث فيك الفرح ويعينك على عبور حواجز حاضرك فالمضي قدماً نحو مستقبلك رافعاً الراية النفسية ل(عفا الله عما سلف). مرة أخرى رتب أوراقك النفسية بطريقة تضمن لك عدم وقوعك رهين محبس ماضيك.. وإلا فالنتيجة هي إضافة أوراق ماضيك إلى أوراق حاضرك فاختلاط هذه بتلك بطريقة تحجب عنك الرؤية الموضوعية لمستجدات مستقبلك.
ختاماً ليتك تتذكر أن بين العتب (والتعب) قواسم مشتركة صحياً تماماً كما هي قواسمها المشتركة لفظياً.. عليه فمن الممكن القول إن من ضمن ترتيب أوراقك النفسية ضرورة ان تتذكر أن الدنيا أقصر من أن تستعرض فيها الحسنات أو ينقب فيها عن السيئات.. أو يركن فيها إلى العتب حيث إن سلفك الشاعر العربي القديم يقول:
والدهر أقصر مدةً
من أن يُقصَّر بالعتابِ
|
|