في الوقت الذي يشتكي فيه الكثير من المواطنين من مصاعب مالية متعددة، وفي الوقت الذي ينادي فيه المخلصون بسرعة اتخاذ التدابير الفاعلة للحد من تداعيات انتشار الفقر بين الأسر السعودية، وفي الوقت الذي نطالب فيه بضرورة إصلاح سوق العمل السعودي لضمان مصدر رزق شريف لأبنائنا وبناتنا ولزيادة الانتماء الوطني لدى هذه الفئة المهمة، نطالع في بعض الصحف أخباراً غريبة لا تتناسب إلا مع حالة الفوضى الاقتصادية التي صاحبت ما يعرف بفترة الطفرة الاقتصادية التي عاشها الاقتصاد السعودي خلال نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات. ولعل من أغرب القصص التي لم أصدقها لولا أنني قرأت الخبر أكثر من مرة تلك القصة التي تقول بأن فتاة سعودية (للأسف) قد أنفقت أكثر من 95 ألف ريال نعم خمسة وتسعين ألف ريال على فستان زواجها و15 خمسة عشر ألف ريال على حذاء الزواج (أكرمكم الله) ولا نعلم تكاليف بقية مستلزمات الزواج الذي لا نشك بأنه قد كلف مبالغ هائلة قياساً على ما خصص منها للحذاء. وقصة أخرى تقول بأن سعر لوحة السيارة قد بلغ أكثر من 250000 ريال لكونها ببساطة تحمل أحرفاً أو أرقاماً متشابهة لا يتحصل عليها أو لا يقتنيها إلا المميزون وفقا لتقدير (........) وإلا (...........) وفقاً لمنهج العقلاء. هذه القصص الغريبة تذكرنا بقصص وحكايات كنا نسمعها أبان سنوات الطفرة كتلك التي تقول بأن رجل الأعمال السعودي قد أنفق أكثر من مليون ريال على زواج قطته نعم قطته المحبوبة وكتلك التي تقول بأن الاسرة السعودية الفلانية قد أحضرت من فرنسا مستلزمات زواج ابنتها وغير ذلك من القصص التي تتناقض مع الفطرة السليمة فضلاً عن التعاليم الإسلامية السمحة التي تحث على عدم الإسراف وعلى عدم التبذير.
المصيبة أن مثل هذا السلوك الغريب يأتي مناقضاً لكل معطيات المتغيرات الاقتصادية التي تشير الى تبدل الحال وإلى تقلب الحالة الاقتصادية المرتبطة في الأصل بمتغيرات خارجية لم تعد تلعب لصالح الاقتصاد السعودي، والمصيبة أيضا أن مثل هذه التصرفات لا زالت تلاقي استحسان البعض ممن انشغل بالمباهاة الاجتماعية عن دوره الحقيقي كمواطن صالح لا ينصرف إلا الى التصرفات التي تعود عليه بالنفع وعلى وطنه بالفائدة، وتشتد هذه المصيبة عندما تتسابق وسائل الإعلام إلى نشر مثل هذه التصرفات وعندما تأتي على مرأى ومسمع من كافة شرائح المجتمع التي لم تكلف نفسها على الأقل إنكار هذا المنكر الاقتصادي والاجتماعي وكأن الأمر لا يعنيها.
يا سادة: إن من الواجب الوطني أن نسهم جميعا في بث ثقافة اقتصادية رشيدة بين أبناء وبنات المجتمع تساعدهم على العناية بسلوكهم الاستهلاكي وتعينهم على مضاعفة الجهد في ميادين العمل والإنتاج بدلا من السكوت على أو التصفيق لبعض التصرفات التي تنهك الاقتصاد السعودي خاصة وأن المستفيد الأكبر هو المنتج الخارجي. لابد وأن نقول وبصراحة شديدة بأن سنوات الطفرة قد ولت وربما إلى غير رجعة مما يتطلب الاستفادة من الإمكانيات الحالية لمواجهة المصاعب المستقبلية بدلا من إساءة استغلالها في الوقت الحاضر وبدلاً من حرمان الأجيال المقبلة من الاستفادة من نعيم الطفرة التي أوصلتنا الى ما نحن عليه الآن.
يا سادة إن فقدان مثل هذه الثقافة الاقتصادية السليمة هو السبب الرئيس الذي أبقى الشاب السعودي بلا عمل وهو السبب الرئيس الذي جعل المجتمع السعودي مجتمعا استهلاكيا يعتمد في إشباع حاجاته على ما تنتجه المجتمعات الأخرى. فهل نكون بعد كل هذه التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية أكثر صراحة في التعامل مع المؤثرات المجتمعية وأكثر دقة في تحديد مواطن الخلل في المجتمع السعودي؟ أتمنى ذلك..
drmofa.yahoo.com
|