* رام الله - نائل نخلة:
ما الذنب الذي اقترفه؟ ما التجاوز الذي بدر منه؟ ولماذا يحتجز خلف القضبان؟ هذه الأسئلة والكثير من التساؤلات الأخرى ما زالت تجول في خاطر ذوي كل من سمع بقضية المعتقل محمود سعيد عزام من بلدة السيلة الحارثية غرب مدينة جنين، سبع سنوات عجاف في سجن عسقلان دون أن تقدم له لائحة اتهام، دون أن يقدم للمحكمة، حيث لا بوادر لحل قضيته التي لا يعرف ما هي!!!
حاولنا التعرف على كل شيء عن المعتقل محمود عزام لنحاول فك شيفرة الاعتقال، إلا أننا خرجنا بعلامة استفهام كبيرة، فهل الدراسة في باكستان تهمة؟!! أم كون المعتقل ابن شقيقة الدكتور عبد الله عزام هي التهمة؟!! أسئلة محيرة قد يكون لها أجوبة في ردهات أو جرارات دواليب التحقيق، لقد ادعت أجهزة التحقيق انه كان يشغل مدير مكتب الدكتور عبد الله عزام، إلا أن المحكمة وخلال سبع سنوات لم تستطع إثبات التهمة عليه أو إحضار أية قرينة تدينه.
بين فلسطين والباكستان
خرج المواطن محمود سعيد عزام من فلسطين عام 1985 لدراسة العلم الشرعي وكانت الباكستان البلد التي وقع اختياره عليها لتكون مكان دراسته، حيث أكمل البكالوريوس في جامعة «كراتشي» ومن ثم التحق لاكمال الماجستير في جامعة «بيشاور» ليؤول بعدها إلى جامعة «السند» للتحضير لشهادة الدكتوراه قبل أن يفكر بأخذ قسط من الراحة وزيارة الأهل في فلسطين بعد طول غياب، ونظرا لكون الشيخ لا يحمل هوية فلسطينية، وجب عليه الحصول على تصريح للزيارة، حيث حصل عليه أسوة بغيره من الزوار، وأكمل جميع معاملاته للدخول عبر جسر الملك حسين ودون أية مساءلة، وبعد عشرين يوما من مكوثه في بلدته السيلة الحارثية، حدث ما لم يكن متوقعا، ففي فجر يوم 29/10/1997 أكثر من عشرة جيبات صهيونية تنسل ليلا تحت جنح الظلام إلى البلدة، لتقوم عصاباتها وبطريقة «الكوماندوز» بتطويق منزل الشيخ سعيد عزام وتقتحم حرمته، متسلقة الجدران عن طريق سلالم الحبال للدخول للبيت من سطح المنزل ليقتاد الشيخ محمود عزام من غرفة نومه إلى أقبية التحقيق بعد تفتيش دقيق لمحتويات المنزل دون العثور على أي شيء مخالف للقانون!!
الأردن يرفض استقباله والمحكمة
لا تستطيع محاكمته
في 17/12/1997 عقدت أول محكمة لعزام في محكمة «الجلمة»، كانت نتيجة المحاكمة إمهال القضاة النيابة العامة ثلاثة أيام لإطلاق سراحه لعدم وجود قرائن إدانة أو أسباب للاعتقال، إلا أن الشاباك وبعد يومين من مهلة الثلاثة أيام تدخل في القضية وأصر من جانبه على ترحيله إلى الأردن، في البداية رفض عزام قرار الإبعاد، وبعد أسبوع من إهمال القضية، تبين له أن يد الشاباك متنفذة في قضيته اكثر من القضاة.
يقول الشيخ سعيد:«.. ولم يبق لي إلا الإبعاد إلى الأردن أو أن امكث في السجن إلى أن يقضي الشاباك أمرا، وقَّعت على قرار الموافقة، ونقلت بعدها إلى الأردن بتاريخ 28/ 12/1997 إلا أن الأردن رفض استقبالي بحجة أنني فلسطيني وعائلتي جميعها في فلسطين...».
بدأ المحامي بعدها العمل على صعيد حل القضية مع الجانب الإسرائيلي والأردني حيث قدم المحامي طلبا إلى الطرف الإسرائيلي لإخلاء سبيله وإرجاعه إلى أولاده وأهله الذين يقطنون حاليا في قرية السيلة الحارثية غرب مدينة جنين، أو نقله إلى أي منطقة خاضعة للسلطة الفلسطينية، ولكن النيابة العامة بعد اكثر من شهرين من تقديمه رفضت هذا الطلب خطياً. واتجه بعدها المحامي إلى السفارة الأردنية عله يحصل على إذن مسبق لدخوله إلى الأردن وبعد انتظار استمر اكثر من ستة أشهر دون الحصول على جواب، بدأ شيخنا الإضراب المفتوح عن الطعام، ليتدخل إثر ذلك المحامي بعد ثمانية أيام عاقدا جلسة مع إدارة سجن «الجلمة» والتي انتهت بفك الإضراب على أن تقوم إدارة سجن «الجلمة» بالعمل على حل مشكلته بالسرعة الممكنة. وبالفعل تم تحويله بعدها بأسبوعين إلى المحكمة المركزية في حيفا إلا أن المحكمة حولت القضية للمحكمة العليا في القدس باعتبارها الجهة الوحيدة المخولة بحل هذا الموضوع.
في 31998/6/0 اتصلت السفارة الأردنية بالمحامي والنيابة العامة وأبلغتهم انه لا مانع لدى الأردن من استقبال المذكور وفعلا تم نقله إلى الأردن في اليوم التالي إلا انهم أعادوه مرة أخرى بنفس الحجة الأولى.
بعدها زاره المحامي في أقبية الجلمة وكان لديه طرحان: إما أن يذهب بنفسه إلى الأردن لمعرفة القرار النهائي من السلطات الأردنية وإما أن يرفع القضية إلى المحكمة العليا، وكان الرأي الراجح عنده أن يتوجه أولا نحو الأردن، وفعلا سافر، إلا انه لم يحصل على شيء من السلطات الأردنية ثم عاد إلى الأردن في محاولة أخرى إلا انه عاد كما المرة الأولى بخفي حنين ....
القضاة: الملف لا يصلح أن يكون لائحة اتهام
في 11/1998 رفعت القضية إلى المحكمة العليا، وعقدت أول جلسة لها في 11999/2/7 انتهت بإمهال المعتقل ثلاثة أسابيع للبحث عن بلد يستقبله باستثناء مناطق السلطة الفلسطينية ولكن دون جدوى.
عقدت الجلسة الثانية في 21999/5/7 وانتهت بإعطاء النيابة العامة مهلة (97) يوما لإنهاء مشكلته، إلا أن المهلة انتهت دون أن يتحقق شيء، تجددت هذه الفترة (90) يوما أخرى تلقائيا على أن تكون آخر مهلة للنيابة ، في 30/11/1999 قدمت النيابة ردا وكان ذلك في نهاية هذه المهلة إلى المحكمة العليا قالت فيه: بأن ليس لديها مانع بأن يذهب المذكور إلى غزة إن لم يجد بلداً يستقبله، وقد رفض الشيخ سعيد ذلك قائلا: «...إلا أني رفضت أن اذهب إلى غزة وأصررت على الرجوع إلى قريتي حتى لا تكون سابقة بجعل غزة منفى في المستقبل».
في 2000/2/3 انعقدت جلسة للمحكمة انتهت بموافقة النيابة إعطائي جواز سفري والسفر إلى أية جهة باختياري إلا أنه رفض ذلك على أمل العودة إلى قريته. في 2000/5/1 انعقدت جلسة أخرى انتهت بالتأجيل لمدة شهر إلا أن الجلسة التي تلتها لم تنعقد إلا في 2000/7/3 ليتم تأجيلها هي الأخرى شهرا آخر، وفي المحاكمة وقف القضاة وقفة قوية أمام النيابة وكانوا يصرون ويؤكدون على ضرورة السماح له بالذهاب إلى أي مكان يريد، حيث سأل القضاة النيابة : لماذا لم تقدموا لائحة اتهام للمذكور؟ فقالت النيابة: هاهو الملف بين أيديكم فأجاب القضاة، الملف كله لا يصلح أن يكون لائحة اتهام، وفي النهاية أُجلت الجلسة إلى شهر آخر.
قضاة متواطئون
في 2000/8/2 عقدت الجلسة الأخيرة وظن المحامي أن القرار سيكون لصالح موكله، فكانت المفاجأة بأن وقف القضاة مع النيابة، وصادقت المحكمة على طلب الشاباك بطرد الشيخ من البلاد، إلا أنه رفض القرار في حينه، فتركوا الباب أمامه مفتوحا إلى حين موافقته على الخروج، وفعلا بعد ستة اشهر من القرار اضطر الشيخ إلى الموافقة تحت ضغط السجن وظروف الاعتقال السيئة، فتقدم بكتاب لمسؤولة الأسرى في سجن عسقلان بتاريخ 2001/1/3 بأنه لا مانع لديه من الخروج إلى خارج البلاد لأي بلد عربي.
في 12001/2/1 زاره المحامي وأبلغه الشيخ محمود بقراره هذا.. وفي اليوم الثاني قام بإبلاغ النيابة ووزارة العدل خطياً وتلقى جواباً منهم بأنهم ينسقون مع الصليب الأحمر حول هذا الموضوع بالإضافة إلى رسائل مماثلة إلى النواب العرب في الكنيست الإسرائيلي. يقول الشيخ محمود في تبعات هذه التطورات.
«..... في 12001/2/8 أرسلت رسالة إلى الصليب الأحمر في تل أبيب طالبته فيها بالتدخل لإنهاء مأساتي ومأساة أولادي وأهلي. وفي 22001/2/0 رفعت كتابا آخر لمسؤولة الأسرى في سجن عسقلان تساءلت فيه عن سبب التأخير في الإجراءات الإسرائيلية. في 22001/3/7 التقينا مع مندوبة الصليب الأحمر فأبلغتني على استحياء بأن الصليب الأحمر لا يستطيع أن يتدخل أو يساعدك في هذا الموضوع لإنهاء عملية الإبعاد.
في 12001/4/4 تم إبلاغنا من قبل الإدارة أن دولة قطر رفضت استقبالي نقلا عن الصليب الأحمر نقلا عن بتسيلم. 22001/4/2 زارتني مديرة الصليب الأحمر في إسرائيل السيدة بريجيت، وأكدت لي بكل صراحة أن الصليب الأحمر لا يستطيع مساعدتي لإنهاء عملية الإبعاد، فقلت لها: كيف تقولين هذا وقرار المحكمة العليا قد ارتكز على أقوال الصليب الأحمر بأن الصليب كان على استعداد أن ينقلني إلى أي مكان تريده فتفاجأت من هذا فأحضرت لها قرار المحكمة وأعطيتها نسخة منه، فأخرجت لي كتابا من ملفها كان الصليب الأحمر قد رد على قائد المنطقة الوسطى بأنه يرفض مساعدة السلطات الإسرائيلية في هذا الجانب، وكان هذا الشهر الثالث من عام 2000.
زار عسقلان النائب هشام محاميد في 22001/4/3 وأبلغ تفاصيل موضوعي ووعد بالمساعدة ثم تلتها زيارة لهشام عبد الرازق وزير الأسرى في السلطة ووعد بالاتصال بوزير الخارجية الأردني.
زارت عسقلان قائدة السجون الإسرائيلية ورفعنا لها كتابا بشأني وقد ناقشت الموضوع مع إدارة سجن عسقلان ووعدت أن توصل هذا الموضوع إلى أعلى المستويات و كانت هذه في الزيارة 2/5/2001.
عادت محامية جمعية الضمير في 2001/5/2 ولم تقدم أي جديد. في 22001/5/9 التقينا مع مسؤولة الأسرى في سجن عسقلان للمرة الثالثة، وقد اتصلت بنائبة مديرة السجون الإسرائيلية وكان جوابها كالتالي: إن مديرة السجن التي عممت على جميع من له علاقة بموضوعي في الحكومة الإسرائيلية وأعطتهم مهلة نهائية للبت في موضوعي أقصاها 12001/6/0 لأنها لا تقبل وضع سجين بهذه الحالة، إلا أننا لم نتلق ردا بعد هذا التاريخ. في 24/6/ 2001 أرسلت رسائل إلى الدهامشة ومحاميد ونواف مصالحة وبركة والطيبي لمساعدتي وكذلك وزير الحرب الصهيوني، حيث تم إبلاغي عن طريق قائد المنطقة بأنهم اتصلوا بالأردن وأن قائدة السجون الإسرائيلية أوصلت القضية إلى وزارة الخارجية وأبلغتهم بأن هذا المعتقل يجب ألا يبقى عندنا وكان هذا في 27/6/2001. وقد وعدنا في تلك الفترة من المسؤول الأمني في مصلحة السجون «قاباي» انه سيبقى على اتصال مع هشام عبد الرازق لتدارس هذا الموضوع وكان هذا في 25/6/2001.
زارتني مندوبة الصليب الأحمر وأبلغتني للمرة الأخيرة بأن الصليب الأحمر لا يعمل على إبعاد الآخرين فطلبت كتابا خطيا من الصليب الأحمر بهذا الشأن لأن الإسرائيليين دائما يدعون بأن الصليب يعمل على موضوعك وفعلا وصلني الكتاب في 26/7/2001.
في 12001/7/1 تم إرسال رسالة إلى قائدة السجون أعلمناها أن الصليب الأحمر أكد لنا انه ليس على استعداد أن يتدخل في هذا الموضوع. في 12001/7/2 أبلغنا عن طريق قائد المنطقة الصهيوني بأنهم عجزوا عن إيجاد أي بلد لإبعادي إليه وخاصة بعد أن وصلت هذه القضية إلى أعلى المستويات وأكد أن القضية عادت مرة أخرى إلى المستشار القانوني من جهة أخرى اتصلت إدارة سجن عسقلان بالصليب الأحمر فتأكدت بنفسها أن الصليب الأحمر يرفض التدخل بهذه القضية.
وبين حانا ومانا ضاعت قضية الشيخ محمود في دهاليز قوانين القرن الحادي والعشرين، والحقيقة الواضحة أن معتقلا مازال يقبع في زنازين العدو منذ سبع سنوات دون تهمة واضحة، وان أماً لا تجد ما تقوله لأبنائها صبيحة كل يوم سوى الحديث عن ديمقراطية العصر ونزاهة القضاء، ولا عجب فتلكم حالة غرباء هذا العصر، ولكن إلى متى؟؟.
|