أن تكون فرداً في جماعة فإنَّ عليك من الواجبات ما لا يقل عمَّا لك من الحقوق، والإنسان جُبل على محبََّة الذات، وعنها يبحث عن حقوقه، أكثر ممَّا يفكر في أداء واجباته..
وفي الجماعة يتدرَّب الإنسان، لذلك فإنَّ السَّفر إحدى وسائل الاحتكاك بالآخر، ومن هنا شدَّد العرب أصحاب الخلق على أنَّ الإنسان يُعرف في السَّفر..
وكما يجيء للإنسان الوقت كي تنجلي أخلاقه، ويتعرف الآخرون على طباعه في «السَّفر»، فإنَّه تحين الفرص في «الحضر» كي تتجلَّى أخلاق الإنسان، إذ تكون الجماعات أكثر وفرص الاحتكاك أكبر..، كيف إذن عندما يجد الإنسان نفسه فرداً في مجتمع، يحب أن يجد فيه كلَّ الذي يحقق له فرص المثول بين يدي حقوقه، كي يتمكن من أداء واجباته في بيئة تتناسب توازناً بين الأخذ والعطاء؟!
ولأن الفرد في مجتمعه، يتاح له أن يكون بمفرده، كما يتاح له أن يكون في جماعته، فإنَّ عليه أنْ يدرك أنَّ نجاح التوازن المُرضي بين الأخذ والعطاء، أيْ بين أداء الواجب والاستفادة من الحقوق إنَّما يتطلب التخلُّق بخلق التعامل بين ما يحقق له الرضاء عند آخذه، والراحة عند عطائه، ومن ثمَّ يتذوَّق لذة التفاعل مع الجماعة، ويعي قيمة نجاح المجتمع به وبغيره عندما يحس إحساساً صادقاً بأحقيَّة الآخر في الذي يجده من حقِّه، ويشعر شعوراً جميلاً بما يقدِّم الآخر فيثمِّنه دون أنْ يتجاهله كي يتحقَّق للآخر رضاءٌ مماثلٌ، وراحة مماثلة.
إنَّ نجاح الإنسان لن يؤتي ثماره دون أنْ يتفاعل معه الآخر.. وإنَّ رضاء الانسان وراحته لا يحقِّقان منزلة فاعلة في الحياة دون أنْ يكون لهما صدىً في نفوس المماثلين له في المجتمع.. من هنا فإنَّ المجتمع هو تركيبة متجانسة لأفراد يتفاعلون، يعطون ويأخذون في رضاء وراحة، فالحياة طريق سفر لا تحلو إلاَّ بخلق جميل، وأفراد متفاعلين.
| 
