تأتي أنشطة ومنافع خدمات الاتصالات عالمياً، كأحد الموارد الاقتصادية الرئيسة لأي بلد، وتشكل الموارد المالية لهذه الصناعة في السعودية، ربما المستوى الثاني أو الثالث، بعد صناعة البترول، وصناعة الاتصالات مهما بلغت ذروتها ودقتها نحو تقنيتها العالية، لا يمكن لها أن تستغني عن بني البشر، حيث تظل الموارد البشرية أحد الدعائم والركائز الأساسية، للتطوير والمحافظة على أداء وإنتاجية قطاع الاتصالات، وقد مر هذا القطاع في السعودية، بمراحل إنتاجية متعددة ومتنوعة، بدءاً من تقديم الخدمة التقليدية اليدوية، وصولاً إلى ما يسمى بالتقنية الرقمية (Digital) التي نعايشها حالياً، وشركة الاتصالات السعودية، التي تعد المرحلة الأولى في العصر الحديث، نحو عمليات التخصيص المتتالية في البلاد، والذي استبشر الجميع خيراً، حينما أعلن عن خبر تخصيص قطاع الاتصالات، وها نحن نشاهد جميعا ثمرات إنتاج هذه القرارات الحكيمة، وبقدر ما كان الجميع ممنونا للدولة لنيل افراد المجتمع من خدمة اتصالاتية متقدمة، بقدر ما يدرك ويثني غالبيتهم على أن أسمى ما سوف يتأتى من خير قادم بإذن الله من مهام التخصيص، هو توافر فرص وظيفية لشريحة كبرى من المواطنين، وكان احد هذا النتاج الاقتصادي المؤمل، طرح الشركة تخصيص جزء من اعمالها، بطريقة تقديم خدمة تسويق وبيع خدمات الاتصالات (المحلية والداخلية والدولية)، عن طريق الغير، من خلال الترخيص للمواطنين الراغبين في استثمار أموالهم في قطاع الاتصالات، وتم خلال ذلك افتتاح مئات المراكز الخاصة، تحت ما يسمى (مراكز الكبائن الهاتفية)، في معظم أنحاء الوطن، ووضعت ضوابط وشروط مقننة قبل الشروع في تأسيس هذه المشاريع، وقد كان أسمى ما فرض على المستثمرين في هذا القطاع، هو وجوب ان يكون كافة العاملين من الجنسية السعودية، ما اثلج صدور الجميع، خصوصا وأن ذلك عايش مرحلة بداية تحدٍ لا تقبل معها المساومة الوطنية بين الآخر، وذلك عند انطلاقة مشاريع السعودة، بأنظمة وآليات لا نزال نعايش تنظيماتها، والمتابعة والإشراف على تطبيقها، لكن المؤسف له، ان الشركة أجهضت هذه المشاريع من خلال العديد من التدابير والتنظيمات التي ضايقت بها هذه المراكز الوطنية، ومنها الشروع في إصدار وبيع البطاقة الذكية، والتي منحت احتكارياً لمنشآت محدودة غير ملاك مراكز الكبائن الهاتفية، والذي كان اولى بها أصحاب هذه المراكز، وكذا منع هذه المراكز من تقديم عروض وإعلانات تسويقية عن منشآتهم، والذي مقابل ذلك، أجازته رسميا أو ضمنياً لملاك البطاقات الذكية، فضلا عن أن مسوقي هذه البطاقات لا تفرض عليهم سعودة وظائفهم، حيث ان التسويق والبيع يتم عبر نقاط متعددة ومتنوعة، ومن خلال جهات لم تفرض عليها السعودة بعد، كما أتت اخيرا بطاقات التجوال الهاتفي (سوا) لتشكل معول هدم ودمار آخر، على ملاك مراكز الكبائن الهاتفية، الذين ما لبثوا يعيشون معاناة وتحسراً بسبب تلك المضايقات العديدة السابق ذكرها من قبل شركة الاتصالات الوطنية!!، إلا وتأتي إليهم مضايقة أو قل إن شئت مزاحمة أخرى، إن ما يدور داخل منشآت مراكز الكبائن الهاتفية من هموم ومشكلات متعددة ومتنوعة، لعلنا نسأل عنها أصحابها إذا ما رغبنا وعزمنا على الإصلاح، والذين هم جزء من اقتصادنا الوطني، ومن هنا نناشد رئيس مجلس إدارة الشركة الجديد الاستاذ عبدالعزيز الراشد، والذي نحسبه والله حسيبه، أنه من خيرة أبناء هذا الوطن، تقوى ومعرفة، وخبرة مالية واقتصادية لا يستهان بها، وارجو ألا يغيب عن توجه شركته، نحو هذه المنشآت الوطنية، والتي تعتبر وطنية مئة بالمئة، وهي ملتزمة بكافة نظم وقوانين الشركة، في تعاملها اللامقبول تجاه هذه المنشآت، وعليها أن تعيد سياستها نحوهم، فهم يمثلون جزءاً كبيراً من اقتصادنا الوطني، وإضعافهم او إلحاق الضرر أو الخسارة بهم، هو إضعاف وخسارة للجميع، فإنني اكرر المناشدة لك يا سعادة الرئيس، ان تنظر إلى هذه المنشآت، نظرة قانونية أولاً، ثم حانية لمساعدتهم ومساندتهم في دعم رسالة وطنية يسعون إليها، وقبل فوات الأوان، شبه المنتظر، في البدء أولاً وأخيرا في تسريح آلاف العاملين في هذه المنشآت الوطنية المنتشرة في أنحاء البلاد، والتي بدأت تظهر في الأفق من خلال تخفيض نسبة العاملين السعوديين في تلك المراكز، بسبب تدني نسبة الربحية، ولا ننسى أن الدولة أعزها الله، لن ترضى عن هذا الإجراء اللامسؤول، لإنه يشكل معه مضاعفة نحو بطالة لا تزال مجهولة إحصائياتها للجميع، فضلاً عن إلحاق الضرر اقتصاديا بمنشآت وطنية أوشكت على الإغلاق، وهي قد دأبت منذ تأسيسها نحو كفاح وطني منشود، فهلاَّ ننظر في حال وقضية هؤلاء، جنود اقتصادنا الوطني.
(*) الباحث في شؤون الموارد البشرية
|