أنا أكره المجتمع.. هل هذا الاعتراف شيء يحرضكم على فغر أفواهكم.. دقيقة ثانية سأقول لكم لماذا؟
أنا أكره المجتمع لأنني كائن غير اجتماعي.. كائن لايستشعر مرارة الفشل وفظاعة الحرمان إلا عندما يختلط بالناس؟! إن الناس يعلمونني كل يوم معنى جديداً للكراهية.. وكلما حرضت نفسي على الإبراء من القصور تبلور قصوري على نحو واضح وفاضح.. وإذا اكتشفت حقيقة نفسي هذه.. واكتشفت حقيقة المجتمع كارها لي.. زاهدا في الاختلاط بي أو رؤية وجهي.. قررت الانطواء ولجأت إلى كتب العظماء.. استلهم منهم سر عظمتهم وحافز تفوقهم، وعلى الرغم من انني قرأت كثيراً.. غير انني لم أتعلم عن طريق القراءة إلا القليل.. وأبرز ما في القليل الذي تعلمته شيء يسميه المجتمع الذي يكرهني «وقاحة» وتنعته كتب العظماء التي أقرأها (بالصرامة).. وهاكم مثلاً على طريقة فهمي للأمر.. وفهم المجتمع له.
اقتادني بعض الزملاء في عربة يملكها أحدهم إلى مكان أطلق عليه «أبحر» وفي العربة كانوا يضحكون.. ويخرجون رؤوسهم من نافذة العربة كلما جاوزتهم عربة أخرى تحمل بعض السيدات وقد تخففن مما على وجوههن.. كانت الطريقة تثير اشمئزازي.. لا تعامياً على حقائق الانسان وطبيعة نوازعه.. وإنما لأن هؤلاء الشباب يعتمدون أسلوبا مهينا في الاعراب عن نوازعهم.. أفصحت لهم بتحفظ عن تقديري للأمر.. فكان ناتج تورطي في الاعلان عن وجهة نظري ان تعرضت لأعنف عملية تقريع.. باعتباري أقل انسانية من الناس لأنني لا أملك المشاعر المتأججة التي يلهبها الجمال.. وأخلدت إلى الصمت ومن حسن الحظ انني اصطحبت معي «هكذا تكلم زرادشت» نيتشة ولذلك ازددت انكماشا في العربة وأصغيت الى زرادشت قارئاً: (إذا لم يتقن الممثلون القيام بأدوارهم في الرواية فانها تصبح غير جديرة بالمشاهدة..) والله ولي التوفيق.
|