«الله بكل شيء محيط»، هذه الجملة يجب أن تكون منقوشة على قلوبنا، مرسومة على لوحة مضيئة من الإيمان واليقين أمام عيوننا، لأنها تحمل من معاني عظمة الله سبحانه وتعالى، وقدرته وجلاله ما يبعث الاطمئنان في النفوس المضطربة، والقلوب الوجلة التي ترى هَيْلمة الباطل وهيلمانه، وأنصاره وأعوانه، فتظن أن الدنيا أصبحت في قبضة المتجبِّرين والطغاة الذين تعمى بصائرهم عن الحقائق، فترحل بهم أهواؤهم وأوهامهم في دروب التسلط والطغيان مغرورين بما لديهم من قوة مادية وعتاد، وقوة اقتصادية يظنون أنهم سيملكون بها الدنيا ويغيِّرون مسيرة الكون.
«الله بكل شيء محيط»، جملة مضيئة تعيد قلوب الوجلين الى هدوئها، وصدور الخائفين اليائسين الى انشراحها، وتجدِّد في النفوس القلقة الثقة بالله الذي هو بكل شيء محيط.
ربما يستبطئ الناس عقاب الطغاة الظالمين استبطاء يصل ببعضهم الى اليأس والقنوط، وينسى هؤلاء أنَّ الله المحيط بكل شيء - سبحانه وتعالى - يُمهِل ولا يُهمِل، وأنه يعاقب الظالمين بالظالمين - أحياناً - حتى يستطيع أهل الحق ان يستعيدوا ثقتهم بربهم، ويعودوا اليه عوداً حميداً بالطاعة والعبادة الخالصة الصادقة؛ ينسى هؤلاء أنَّ اليأس من روح الله محرَّم شرعاً، ومحظور عقلاً وعرفاً، فاليائس بمثابة من يقتل نفسه مع أن أبواب الحياة المفتوحة كثيرة لمن يرى بعين بصيرته وإيمانه.
عقاب الله للطغاة واقع - لا محالة - وما على أهل الحق والخير إلا ان يقوموا بدورهم المشروع في العمل الجاد لنشر الخير، ومواجهة أهل الضلال والباطل بالكلمة الصادقة، والرأي السديد، والدعوة الخالصة لوجه الله، وبالجهاد في سبيل الله حينما يسرف أهل الباطل والضلال في مواجهتهم العنيفة لأهل الحق والرشاد.
«الله بكل شيء محيط»، حقيقة ايمانية لا يجوز المسلم أن ينساها، أو ينشغل عنها بما يرى من مظاهر قوة الباطل في هذا العصر، فإنَّ لله سبحانه وتعالى من تدبير هذا الكون العظيم ما يجعل نهاية الطاغية والظالم متحققة بلا شك، بصور مختلفة مفاجئة غالباً للناس.
فلقد ابتلع البحر فرعون «الطاغية»، وابتلعت الأرض «قارون»، وقتلت البعوضة «النمرود»، وأكلت الحروب الدولة التي كانت لا تغيب عنها الشمس لاتساع سلطانها، ونحرت سوسة الفساد العقدي والاداري والاقتصادي احدى الدولتين العظيمتين ورأينا جميعاً كيف هوى جسدها المتهالك أمامنا وتمزَّقت أعضاؤه ونحن نسمع ونرى.
أحداث بارزة للعيان، واضحة لا تحتاج الى بيان، وإنما نحتاج نحن الى ان نزيل عن أنفسنا غشاوة اللهو والغفلة والعصيان.
إننا نرى نهايات الطغاة أمام أعيننا بصورها المختلفة، ولكننا نغفل عن احاطة الله بكل شيء، وأنَّ ذلك كله بتدبير منه سبحانه وتعالى - ولله حكمة في كل ما يقدّر - وننساق مع الأسف الشديد وراء تحليلات سياسية مادية بحتة، نشغل بها أنفسنا، ونستسلم بها لأوهامنا، فنظن ان تدبير البشر هو الذي يسيِّر عالم اليوم، غافلين عن سنن الله الكونية التي لا تتأخر أبداً، وهنا نُصاب بالاضطراب والقلق ونمكن لأعدائنا من أنفسنا.
«الله بكل شيء محيط»، مطَّلع على السرائر، يعلم ما يدور في النفوس، ويدرك - سبحانه وتعالى - ما تنطوي عليه القلوب، ولهذا كان لزاما علينا نحن المسلمين أن نصدق ونخلص حتى نستحق نصر الله عزوجل، أما الطغاة الظالمون فإنهم مهزومون بإذن الله، بأسلوب من الأساليب التي يقدرها رب العالمين.
إشارة
سيجيء زمانٌ يتسلَّى
فيه المظلوم بمن ظلمه
|
|