هل رأيت تياراً يفيض بالنفع الدائم وشلالاً يتدفق بالخير العميم؟ هل رأيت منهلا عذبا وموردا سائغا شرابه كثر واردوه وانتفع به القاصي والداني؟ وهل رأيت منزلا فسيحا يستضيف فقراء المسلمين ليجدوا فيه المأوى والطعام والشراب والكساء دون مقابل سوى ابتغاء وجه ذي الجلال والاكرام.
كل هذه الاوصاف - أخي القارئ الكريم - جمعت في الهيئات الخيرية في ارض المملكة العربية السعودية بلاد الحرمين الشريفين لا اقول هذه مجازفة او محاباة بل إن الهيئات والجمعيات الخيرية تبدو منارات شامخة في ارض الواقع، ونجوما مضيئة في سماء العالم المظلم الذي طغت عليه حمّى الانانية وغلب عليه فيروس مصلحة الذات على حساب الفضيلة والمعروف والقيم اقول هذا في وقت تدفقت فيه على هذه الهيئات قوافل هزيلة من التهم الفارغة والدعاية المضللة يسوقها العالم الغربي وتترجمها صحافة العرب وقنوات الفضاء وشبكة الإنترنت وكلما هوت عصابة إجرام وتخريب في اي صقع من العالم سمعنا - رجع صدى - صوت الاتهام لهذه الهيئة او تلك حتى كأن تلكم الهيئات والجمعيات مسؤولة عن دفع فاتورة استهلاك غيرها، مع ان القانون الالهي ونظام العالم يقضي بأنه {وّلا تّزٌرٍ وّازٌرّةِ وٌزًرّ أٍخًرّى"} .
اننا والحالة هذه يجب ألا يفوتنا ان هذه التهم وتلكم الدعايات المغرضة لابد ان تولّد فينا قوة واصرارا وثباتا في مجال الحق والعدل سواء اكان في مجال الدفاع عن هذه المؤسسات ام في جانب مضاعفة الدعم لها وذلك لسببين.
أحدهما: ان قدرنا في هذه البلاد ان نكون روادا في اعمال البر ودروب الخير وقادة في طريق الاحسان، لقد عاش اسلافنا قرونا عديدة - وسنعيش ان شاء الله - على مبدأ الاحسان والمعروف والبر والصدقة، تاريخنا يشهد بذلك وأوقافنا تشهد وافعالنا تؤكد، اما الغرب فهو ابعد عن نصر المظلوم او سد عوز المحتاج.
وهاك - أخي القارىء - قصة من الواقع تؤكد ما اقول: سافرت امرأة واطفالها عبر رحلة جوية طويلة قدّر لها ان تمر بأكثر من دولة، وفي ترتيبها ان يستقبلها زوجها في إحدى الدول الاوروبية نهاية المطاف.
ومن نظام شركات الطيران ان الرحلة الدولية تخفض قيمتها اذا تعددت مساراتها واخذ المسافر بطاقات صعود الطائرة ويبدو ان العوز احوجها الى هذا الصنيع لكنَّ هذه المرأة.. من سوء حظها - نزلت في احد مطارات الغرب وحصل لها ما عطلها عن صعود الطائرة وادراك الركب المسافر.. وكان لديها حفنة قليلة من الدولارات لا تكفي لشراء تذكرة اخرى حاولت المسكينة بكل وسيلة الصعود الى الطائرة ولكنها فشلت وفقدت الامل. عندئذ صرفت ما لديها من مال في طعام للاطفال ولما نفد كل ما لديها جنَّ جنونها واخذت تبكي وتصيح يوما كاملا ولا احد يجيب او يسعف حتى موظفات بيع التذاكر يسمعنها ولا يستطعن فعل شيء في ظل الحضارة الغربية وحقوق الانسان! وبعد مضي يوم كامل وقد لون وجه المسكينة شحوب وجلل صوتها صراخ وعويل يشوبه خفوت من طويل المعاناة مر كلمح البصر رجل سعودي الملامح يرتدي ثوبا وشماغا فتعلقت به كأنها رأت زوجها او اباها، فسألها الرجل عن حالها وتقدم دون تردد للموظفة ودفع قيمة تذكرة لها ولاطفالها، فسألته موظفة المطار هل تربطك بها قرابة؟ قال لا ولكنها اختي في الاسلام وديني يوجب عليّ مساعدتها فتحدرت قطرات دموع من عيني تلك الموظفة الغربية مسحتها بمنديل كان في يدها وهي تقول بلسان الحال: أين هذا الدين لينقذنا مما نحن فيه؟
هذه القصة امثالها كثير في مطارات الغرب ومحطات القطار هناك، لكنها - ولله الحمد - غير موجودة في ارض الجزيرة العربية، وهي دليل على حب الخير الذي يجري في دماء كل مواطن سعودي، في حين مرور اعداد هائلة من البشر لم يأبهوا بالمسكينة او يسألوا عنها.
اما السبب الثاني الذي يوجب علينا ان نقف في صف هذه الهيئات الخيرية وان ندافع عنها بكل لسان وعلى كل صعيد فهو ان البعد الاستراتيجي لبلادنا يكمن في المساعدات التي توجه للشعوب المسلمة في العالم التي تقدمها - غالباً - المؤسسات الخيرية كالندوة العالمية للشباب الاسلامي وهيئة الاغاثة ومؤسسة الحرمين وان مكانتنا في أعين الشعوب المسلمة وحبنا في قلوب مسلمي العالم لينحصر - برأيي - في أمرين مسببين لا ثالث لهما:
الأول: الحرمان الشريفان اللذان هما مهوى الافئدة للأمة وقبلة شعوب المسلمين في كل اقطار العالم فنحن نتسنم القمة تقديرا ومكانة وحبا بسبب وجودهما ورعاية ولاة امورنا لهما.
والثاني: الدعم الذي يتسلل عبر هذه المؤسسات الخيرية الى الاسر الفقيرة والارامل واليتامى والمنكوبين.. نعم الدعم الذي تشيد به مدارس تربي الاشبال ومساجد يعبد فيها رب العزة والجلال، وآبار يشرب منها العطشى الماء الزلال، ويكفل به دعاة وطلاب علم ينشرون العلم الذي تحيا به الاجيال، هذا الدعم يجعل مسلمي العالم في صفنا دفاعا وحبا واستماتة في سبيل نصرنا، وانه ما ان يخبو دعم الغيورين او يجمد نشاط هذه المؤسسات الخيرية - لا قدر الله - حتى يتحول المتعاطفون الى اعداء وتهجر مساجد ومراكز يذكر فيها اسم الله ويسبح له فيها بالغدو والآصال، ونواجه اعداء الاسلام وحدنا دون نصير ولا حول ولا قوة إلا بالله.
انني ادعو كل مقتدر ان يتبنى دعم الجمعيات الخيرية وان يدافع عنها، لكي نبقى قادة الامم ونعيش في سابغ النعم، ونستحق نصر العزيز العليم وفي الآخرة جنات النعيم.
وهمسة أخيرة ألقيها في اذن القائمين على تلك المؤسسات الخيرية تقول: ان عليهم ان يتقوا الله تعالى ويخشوه في القيام بأعمالهم خير قيام وان يضاعفوا الجهود لنفع الآخرين وان يحتسبوا الأجر والثواب من الله تعالى، وعليهم كذلك ان ينشطوا في اعمالهم وان يأخذوا بمبدأ الحيطة والحذر حتى لا يوجدوا لاعدائهم اي مسوغ للاضرار او ايذائهم، اسأل الله سبحانه ان يجعلنا جميعا مفاتيح للخير عوناً للضعيف ودعماً للمحتاج وغوثاً للمنكوب.
والله من وراء القصد.
*) عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
الأمين العام المساعد للندوة العالمية للشباب الإسلامي
والمشرف على مكتب المنطقة الجنوبية
|