* الجزيرة - خاص:
جاء اتهام عدد كبير من الجمعيات والمؤسسات الاسلامية بدعم الأنشطة الارهابية في الشهور القليلة الماضية، بل ووضع بعض هذه المؤسسات على قائمة المنظمات الارهابية المحظور نشاطها واتخاذ اجراءات صارمة لتجميد أموالها ليلقي بالعديد من الاسئلة على مستقبل هذه المؤسسات الدعوية والاغاثية وتأثير تلك الحملات المعادية لها على مستقبل الدعوة في الدول غير الاسلامية، وكيفية تجاوز تلك المحنة، التي قد تمتد لتشمل مؤسسات أخرى أو تقلل من درجة فاعليتها وحجم نشاطها الدعوي أو الاغاثي.
«الجزيرة» طرحت هذه القضية على عدد من رؤساء هيئات وجمعيات إسلامية في الخارج، فكان هذا التحقيق..
التهم ضد الإسلام
في البداية يقول رئيس جهاز الحسبة الحكومي بولاية كانو ورئيس جماعة الدعوة في نيجيريا الدكتور أمين الدين أبوبكر: إن اتهام بعض المنظمات الاسلامية التي تتصف بالصدق والمنهجية والوسطية بدعم الارهاب أمر لا أساس له إلا أنه من توجيهات القرآن السامية، أن يرجع في معالجة هذه التهم الى هذه الجمعيات والمنظمات قبل ان توجه الملامة الى الآخرين مصداقا لقوله تعالى {وّمّا أّصّابّكٍم مٌَن مٍَصٌيبّةُ فّبٌمّا كّسّبّتً أّيًدٌيكٍمً وّيّعًفٍو عّن كّثٌيرُ} {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وقال أيضا: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً}.
المسلمين في غزوة من الغزوات بقوله: «أما بعد فقد عجبت لإبطائكم عند فتح مصر تقاتلونهم من سنين، وما ذلك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم، وإن الله تعالى لا ينصر قوما إلا بصدق نيتهم» فلماذا لا نهتدي نحن بهدي عمر رضي الله عنه وغيره من السلف.
ووصف الدكتور أمين الدين أبوبكر الاسلام بأنه منهج شامل، وكامل لجميع السعادة الدنيوية والأخروية، موضحا ان الشيخ المجدد محمد بن عبدالوهاب قسَّم وسائل الدعوة الى الله إلى أربع وسائل، من ضمنها الصبر على الأذى فيه، مثل اتهام بعض الجمعيات والمؤسسات الاسلامية بدعم الارهاب، ووضع بعضها على قائمة المنظمات الارهابية، ونوع من تلك الاذية والعداوة، ونوع كذلك من العقبات التي تواجه الدعوة إلى الله عز وجل.
وأكد الدكتور أمين الدين أبوبكر انه لمواجهة هذه العقبات لا بد ان نعود بأنفسنا الى ما كان عليه سلف هذه الأمة، فقد قال إمام دار الهجرة النبوية مالك بن أنس - رحمه الله -: «لن يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها» بمعنى أن نخلص النية لله عز وجل، وأن نصحح العقيدة، وأن نقوم بالجهاد بشتى أنواعه المتاحة، والممكنة لنا حتى نلقى الله تبارك وتعالى وهو راض عنا.
مستقبل المؤسسات
وأضاف رئيس جهاز الحسبة في نيجيريا قائلا: إن سلف الأمة صعدوا الى القمة لما صمدوا متمسكين بالاسلام الحق، وصلوا الى الذروة لما تخطوا كل الأذية والعداوة، ولذا شاع ذكرهم وخافتهم الجبابرة في العالم، وخافتهم الدنيا أجمع من أجل تمسكهم بالعروة الوثقى التي لا فصام لها، وفي الوقت ذاته أتتهم الدنيا بحذافيرها فزهدوا عنها وتركوها وراء ظهورهم، واستبدلوا بها الآخرة التي هي خير من الأولى.
وعن مستقبل المؤسسات الدعوية والخيرية الاسلامية، فيرى رئيس جهاز الحسبة الحكومي بولاية كانو ورئيس جماعة الدعوة في نيجيريا ان المستقبل لهذه المؤسسات إذا اعتمدوا على تعاليم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع العمل بالاخلاص وبدون العناية بحظوظ النفس من رياء وسمعة وبدون العنصرية القبلية، فالأمة الاسلامية مثل الذهب كلما اشتدت عليه النار زاد لمعانا، فأرجو من الله عز وجل ان يجعل هذه المؤسسات الاسلامية الخيرية على قدم أسلافنا من الرسل والصحابة والتابعين {وّزٍلًزٌلٍوا حّتَّى" يّقٍولّ الرَّسٍولٍ وّالَّذٌينّ آمّنٍوا مّعّهٍ مّتّى" نّصًرٍ اللهٌ أّلا إنَّ نّصًرّ اللهٌ قّرٌيبِ}.
وحذر الدكتور أمين الدين أبوبكر الامة الاسلامية من أن دول الغرب ليس لها عدو بعد سقوط الدولة الشيوعية إلا الاسلام، فلذلك صاروا يستعملون هذه المصطلحات المستحدثة، الارهابية، والأصولية، والرجعية، والقرون الوسطى، ضد الدعوة الصحيحة، ولكن الله سبحانه وتعالى سيظهر هذا الدين على جميع الملل والنحل ولو كره المشركون والكافرون، ولكن بعد التمحيص والابتلاء، كما بين الله سبحانه ذلك في كثير من الآيات القرآنية.
وأبرز فضيلته ان الدعوة الاسلامية ستبقى بخير الى يوم القيامة إن شاء الله لا يضرها من خذلها ولا من خالفها، كما جاء بذلك الاحاديث الصحيحة الكثيرة.
الإعلام المشبوه
ومن ناحيته، أشار د. محمد عبدالحليم المشرف على كرسي الملك فهد للدراسات الاسلامية في جامعة أوكسفورد بلندن الى ان أول من يقاوم الارهاب هم المسلمون، طاعة لأمر الله، قبل أي اعتبارات سياسية أو اجتماعية أو دولية، مستنكرا اتهام الجمعيات والمؤسسات الاسلامية بدعم الارهاب، ووضع بعضها على قائمة المنظمات الارهابية دون دليل، لأن هذا تعسف يجافي العدل والحكمة، ويؤثر على المؤسسات التي تقوم بالدعوة والتعليم والاغاثة وأعمال الخير، وقد يراه البعض عملا إرهابيا في ذاته يهدف الى ترويع المدنيين، لأسباب سياسية، حتى لا يتبرعوا لأعمال الخير.
وأوضح فضيلته ان وسائل اعلام مشبوهة ومعروفة بعدائها للاسلام والمسلمين هي التي تروج لاتهام الجمعيات الاسلامية بالارهاب، مؤكداً انه لمواجهة هذا يجب على المسلمين القيام بأمرين، أولهما ألا ينصاعوا لمن يتهم جمعياتهم فيتوقفون عن دعم اعمال الخير، فهذه في العادة من مصارف الزكاة والصدقة، وهي الركن الثالث في الاسلام، وإلا فسيجيء بعد ذلك من يقولون: «مساجد المسلمين قد يصلي فيها الارهابيون فيجب اقفالها»، والثاني: ان يشرحوا للعقلاء في غير بلاد الاسلام ان الجمعيات الاسلامية انما تقوم بأعمال خيرية، كالتي تقوم بها الجمعيات المسيحية هنا مثلا، والتي تجمع الاموال للقيام بأعمال التبشير والتعليم ومساعدة الفقراء، ولا يجرؤ أحد على اتهامها بالارهاب دون دليل وإلا وقع تحت سيف القانون.
وحذر الدكتور محمد عبدالحليم من أن الغربيين يستهدفون الاسلام وأركانه، وليس الارهاب كما يدعون موجها النصيحة الى المسلمين بأن يشرحوا هذا ليس للذين يعرفون الاسلام، وإنما لغير المسلمين وبلغاتهم، ووسائل اعلامهم هم وعقلاء الناس في كل الشعوب يفهمون ويقبلون الكلام الطيب السليم، فإذا بقي بعد ذلك أناس لا يقبلون، وإذا أصروا على الاتهام بغيا وعدوانا فالطريق امام المسلمين في هذا الشأن واضح لا يحتاج الى بيان مني أو من غيري، وهم: {وّأّطٌيعٍوا اللهّ وّرّسٍولّهٍ إن كٍنتٍم مٍَؤًمٌنٌينّ} «إن» حرف شرط، وفي الشرط تخيير، وفي القرآن تخيير {فّمّن شّاءّ فّلًيٍؤًمٌن وّمّن شّاءّ فّلًيّكًفٍرً}.
الدعايات المضللة
وتحدث الدكتور جمال أحمد السيد المراكبي رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر قائلا: لا بد ان يكون عمل الجمعيات والمؤسسات الدعوية والاغاثية واضحا للجميع، ولا بد من العمل عبر القنوات الشرعية لضمان استمرار العمل الدعوي، ولا بد من توضيح صحيح الدين، ودعوة غير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة، والاسلام ليس دين غدر وعدوان، بل هو دين عدل ورحمة حتى مع غير المسلمين،
|