Friday 25th july,2003 11257العدد الجمعة 25 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

حدث في المحكمة حدث في المحكمة
يرويها فضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم بن صالح الخضيري ( * )
التشمت بالمبتلين

جاء إلى القاضي يسأله مستفتياً، ويسترشده ناصحاً، قائلاً: إني أخي فلان قد صدر عليه حكم بالقتل، فقتل لكونه قاتلاً، ونحن نريد حصر إرثه، وبيان مايجده بعضنا في قلبه على أخيه، حيث ان بعض أفراد الأسرة يذكرونه بالذم، فيقولون شوه سمعتنا، وآخرون يقولون كفوا عنه، ونحن بين طرفي نقيض، فما قولكم دام فضلكم.
فرد القاضي بقوله: أفتى في مثل هذه المسألة نبينا العظيم - عليه الصلاة والسلام - فالمذنب الذي يحكم بقتله إما تعزيراً وإما قصاصاً، ثم ينفذ فيه هذا الحكم يذم الجرم جرمه يذم، فيقال القتل حرام، وما فعله حرام وعمله معصية ومنكر من المنكرات، اتباعاً لسلوك الشارع الحكيم -عليه الصلاة والسلام- أما الجاني، فقد قال - عليه الصلاة والسلام -: لايجني الجاني إلا على نفسه، فإن كان قد تاب وأناب ورجع إلى العزيز الوهاب، فإن الله يقبل توبته من فوق سبع سموات، ويكون هذا الحد الذي أقيم عليه أو القتل تعزيراً عقاباً له يكون كفارة عند الله - عز وجل - له في الدنيا والآخرة، وبرهان ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي عبادة - وكان أحد النقباء البدريين - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، فمن وفى منكم فأجره على الله - عز وجل - ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارته، ومن استتر بستر الله عليه فهو إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه).
وعلى هذا يكون المذنب إما أنه استتر بستر الله عليه فستره الله ولم يعلم به أحد، فهو إلى ربه وربه كريم إن تاب عفا عنه، وإن لم يتب فلا، فإن الله يعاقبه، وأما حق المجني عليه المقتول فإنه لا يضيع أبدا لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام - قال: (بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين)، وقال - عليه الصلاة والسلام -: (لا يبطل دم امرئ في الإسلام)، فعلى هذا حق محفوظ بحفظ الله له، ولكن قد يتحمله الله عن عبده يوم القيامة فيكرم صاحب الذنب بكرامة من عنده، وجزاء من عنده ويكرم القاتل بعفو ولطف ورحمة من عنده فهو الرحيم الغفور جل وعلا، قال سبحانه: {نّبٌَئً عٌبّادٌي أّنٌَي أّنّا الغّفٍورٍ الرّحٌيمٍ}، وقال سبحانه: {قٍلً يّا عٌبّادٌيّ الذٌينّ أّسًرّفٍوا عّلّى" أّنفٍسٌهٌمً لا تّقًنّطٍوا مٌن رَّحًمّةٌ اللهٌ إنَّ اللهّ يّغًفٌرٍ الذٍنٍوبّ جّمٌيعْا إنَّهٍ هٍوّ الغّفٍورٍ الرّحٌيمٍ}، وقال: {وّأّنٌيبٍوا إلّى" رّبٌَكٍمً وأّسًلٌمٍوا لّهٍ مٌن قّبًلٌ أّن يّأًتٌيّكٍمٍ العّذّابٍ ثٍمَّ لا تٍنصّرٍونّ}، وقال: {وّمّن تّابّ وّعّمٌلّ صّالٌحْا فّإنَّهٍ يّتٍوبٍ إلّى الله مّتّابْا}.
فعلى هذا الذي يقتل حداً أو يقتل تعزيراً هو مسلم، يغسل، ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين، ويدعى له بالرحمة، والمغفرة، والتجاوز، ولايجوز للمسلم أبدا ان يتشمت أو يذم أحدا من المسلمين قتل حداً أو تعزيراً، لأن الله وليه ومولاه، ومن كان الله وليه ومولاه، فإنه يتولاه لأنه مات على الإسلام، ولا يحل عرضه، وماله، ودمه كل ذلك محرم إلا بحكم الله - عز وجل -، فلما أبيح دمه بحكم الله كان واجبا عليه هو ان يؤمن بقضاء الله وقدره، ويصبر على ما أصابه، ويتوب إلى ربه، وكان لزاماً على أهله، وأبنائه، وأقاربه، وعشيرته، وفصيلته، بأن تؤمن بأن ما أصابه قضاء من الله وقدر، وأن تصبر وتحتسب، وأن تعلم أنه إن كان تائباً فإن هذا كفارة له في الدنيا والآخرة، وإن كان غير تائب فإن هذا أيضا من عوامل تحقيق الحق ونصرة الدين، ومن عوامل عز الأمة الإسلامية، قال - عليه الصلاة والسلام -: (لأن يقام حد من حدود الله خير من أن تمطر السماء أربعين ليلة).
وعلى هذا ينبغي الاذعان والاستسلام لحكم الله - عز وجل - والصبر على المصاب عند الابتلاء، ولا يجوز التشمت بالمبتلين ممن يقتل حدا أو تعزيراً، ولا الاستهزاء به، لكن لا بأس من ذم هذا الجرم، وبيان أن عاقبته وخيمة عند الله في الدنيا والآخرة إذا لم يكن صاحباً، وبيان خطورته، وضرره على الأمة، ثم ليعلم هذا الرجل وأمثاله ان الإسلام دين الكمال، والنقاء، والصفاء والحفاظ على الأعراض والأموال، والأنفس، فما دام قد حفظه الله فهو محفوظ بحفظ الله - عز وجل - فينبغي ان نذعن لأحكامه، ونعتز بالانتماء إليه، ونفتخر بتحكيم شرع الله المطهر في أنفسنا وأهلينا، وما ولينا، ونطبق حكم الله علينا في كل واقعة صغرت أو كبرت، وبالله التوفيق.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved