نعايش في هذه الأيام موسم الصيف والاجازة بما يحويه من فراغ جسمي وعقلي لأن النفوس بعد تعب العمل وجهد الدراسة ترنو إلى شيء من التعليل والراحة والاستجمام ونبذ الأشغال والمسؤوليات، والإسلام دين يساير فطرة الانسان ويراعي حاجاته النفسية ومتطلباته الروحية، يقول تعالى: {وّابًتّغٌ فٌيمّا آتّاكّ اللهٍ الدَّارّ الآخٌرّةّ وّلا تّنسّ نّصٌيبّكّ مٌنّ الدٍَنًيّا}، وفي الحديث المتفق عليه «إن لبدنك عليك حقاً»، ولكن الذي ينبغي أن يأبه له أن لا تكون هذه الاجازة على حساب الدين والأخلاق والعادات الحميدة والتقاليد الأصيلة.. فعلى المسلم أينما كان حالاً أو مرتحلاً أن يضبط نفسه بضابط الشرع ويزنها بميزان الدين لأن الانسان متعلق بربه جل وعلا في سائر أحواله في عمله واجازته في شغله وفراغه قال تعالى: {قٍلً إنَّ صّلاتٌي وّنٍسٍكٌي وّمّحًيّايّ وّمّمّاتٌي لٌلَّهٌ رّبٌَ العّالّمٌينّ } ولا شك أن الموفق من الناس من فكر بقضاء اجازته على مراد الله وحدد هدفها وفق هذا المنظور لذا كان للمسلم الحصيف أن يحذر ويحاذر كل ما يعكر صفو هذا الهدف فتكون اجازته اجازة إسلامية سليمة من المنكرات بريئة من المخالفات الشرعية يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر محققاً عبوديته لله وحده بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وهذه بعض الوصايا التي تهم الآباء وأولياء الأمور في هذا الشأن ومنها:
ليس في دين الله اجازة، فالتكاليف والواجبات الشرعية ليس فيها راحة ومن عجب أنك تجد البعض بمجرد أن يخرج من بيته إلا ويبدأ بالإعراض عن الله جل وعلا فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، وهذا ليس من الإسلام قال تعالى:{وّاعًبٍدً رّبَّكّ حّتَّى" يّأًتٌيّكّ اليّقٌينٍ } وقيل للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: «يا إمام متى الراحة قال: عند أول قدم نضعها في الجنة»، فالصلاة مثلاً واجبة في الحل والسفر والبدو والحضر لا يلغيها لاغ ولايصد عنها صاد حتى لو كان المرء مسافراً أو مجازاً فإنه يصليها على ما شرع الله قال تعالى: {وّإذّا ضّرّبًتٍمً فٌي الأّرًضٌ فّلّيًسّ عّلّيًكٍمً جٍنّاحِ أّن تّقًصٍرٍوا مٌنّ الصَّلاةٌ }.
وهناك أمور تتعلق بالأهل والأولاد:
إن من منكرات الاجازة: التساهل في سفر المرأة بلا محرم وقد قال النبي صلى عليه وسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم» متفق عليه.
ومن المنكرات أيضاً: التساهل في الأسواق والدخول فيها لغير حاجة وهي من أبغض البقاع إلى الله كما صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتضاعف مفاسدها وكراهية دخولها للذي يأتيها لتزجية الوقت والتمشية دون حاجة ضرورية أو نية شرائية فترى بعض الفتيات والفتيان الأغرار يجوبونها صباحاً ومساء فيزعجون المارة والمتسوقين ويؤذون خلق الله ناهيك عن الذئاب البشرية التي تصطاد في الماء العكر لتقتات على الأعراض وتلغ في إناء العفة، والمرأة المسلمة ليست بخرَّاجة ولاّجة بل القرار سمتها والحياء تاجها.
ومن ذلك أيضاً: التساهل في مسألة الحجاب والستر بحجة السفر والسياحة فيحصل من العوائل المعروفة بالمحافظة الشيء الكثير من التساهل هناك، من تبرج واختلاط واحتكاك بالرجال في الأماكن العامة والحدائق والمتنزهات دون تحفظ أو احتراز.
ومن المؤاخذات العظيمة على الآباء والأولياء: التهاون في أمر القوامة على النساء والغيرة على الأعراض وقد روى أحمد والنسائي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث» والديوث هو: الذي يقر الخبث في أهله، وقيل هو الذي لا غيرة له على أهله، ومن عجب أن بعض المسلمين هداهم الله حينما يسافر أو يرفه عن نفسه وعن أولاده لا يراعي قضية الستر والعفاف والجلباب فتراه يتساهل في وضع هؤلاء النسوة على الشواطئ المختلطة أو الملاهي والمنتزهات التي تعج بالطائفين من الشباب المراهق الذين يعيشون على استجداء النظرات والتلصص على العورات والحرمات، وأعظم من هذا إهمال الصبيان الأغرار مما يجعلهم صيداً سهلاً للذئاب البشرية على ايقاعهم في اللواط وأتون المسكرات والمخدرات وكفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت.
مثل الكلاب تطوف باللحمان
إن لم تصل تلك اللحوم أسودها
أكلت بلا عوض ولا أثمان
|
إن من القضايا الهامة جداً قضية الوقت وبماذا يشغل في فترة الصيف والاجازة ولا شك أن الفراغ جرثومة فساد تنتشر وتستفحل في المجتمعات فتحطم الجسد وتقتل الروح، وتدمر الابداع، الفراغ أفسد أناساً ودمر قلوباً وسبب ضياعاً.
وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى غفلة كثير من الناس عما وهبهم الله من نعمة العافية والوقت فقال صلى الله عليه وسلم :«نعمتان مغبون فيها كثير من الناس الصحة والفراغ» رواده البخاري إننا مع حذرنا من الفراغ إلا أن السؤال المهم هو : بم يشغل الفراغ؟! إن المصيبة تعظم إذا شغل الفراغ بما حرم الله من العكوف على ما حرم الله من شاشة ماجنة أو صفحة انترنت غير لائقة أو سهرات عابثة.
أيها الأباء والأولياء لنجعل اجازاتنا ربانية لا شيطانية على منهاج الله وسنة رسول الله اجازة ليس فيها امرأة تتبرج ولا باطل يروج ولا شهوة تتهيج اجازة لا حق فيها يضيع ولا واجب يهمل.
(*)إمام وخطيب جامع الأمير موضي بنت أحمد السدير
|