* تحقيق عبدالله بن ظافر الأسمري (*)
ويستمر التواصل واللقاء مع المشايخ الأفاضل بشكل يعكس ما نحرص عليه من جدية الطرح وواقعيته وملامسته لخصائص الزمان وتساؤلات المجتمع.
ونستضيف في هذا العدد فضيلة رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمحافظة المجمعة الشيخ إبراهيم بن عبدالله الفارس، والذي أجاب على تساؤلاتنا برحابة صدر معهودة بأي آمر بالمعروف وناه عن المنكر.
ركيزة التربية
- «الامر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام أمان المجتمعات»، فما شرحكم وتعليقكم على هذه العبارة؟
- هذه عبارة جامعة مانعة وإن شئت إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضمانة من العقوبات الإلهية التي قد تحل بالمجتمعات إذا فشا فيها الفساد، لأن سنة الله- تعالى- في خلقه ثابتة لا تتغير ولا تحابي أحدا ولا تتخلف عند وجود أسبابها ومن سننه الماضية أن يسلط عقوباته على المجتمعات التي تفرط في هذه الشعيرة كما حلت اللعنة على بني إسرائيل بعصيانهم واعتدائهم وعدم أمرهم ونهيهم وما من مجتمع يفرط في هذه الشعيرة إلا امتد تفريطه إلى باقي الشعائر والفرائض.
*- كيف يتم تنشئة الأسرة والأبناء وتربيتهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
- من المتقرر شرعاً وعرفاً أن الجليس يتأثر ويقتدي بجليسه في أقواله وأفعاله وأحواله وجميع شؤونه فكيف إذا كان الجليس والمجالس هم الآباء والأمهات والبنون والبنات وإذا كان الأمر كذلك فإن القدوة العملية في تطبيق شعيرة الأمر والنهي في الأسرة من أهم وسائل تربية أفرادها عليها سواء كان داخل المنزل أو خارجه، بين أفراد الأسرة أو مع غيرهم وكما قيل:
وينشأ ناشىء الفتيان فينا
على ما كان عوده أبوه
والوسائل في هذا الباب كثيرة إلا أن أهمها القدوة.
دين الستر
*- الستر ذلك المصطلح الشرعي، ذو المعاني الإسلامية القيمة، في عمل رجل الهيئة ما هي حدوده ومتى يصبح مندوباً؟ ومتى يكون ممنوعاً؟
- ذلك المصطلح الشرعي، ذو المعاني الإسلامية القيمة، وحدوده في عمل رجل الهيئة منعاً وندباً محكوم بضوابط الشريعة، فإن الشرع المطهر جاء بتشريعات متكاملة تضمن مصالح العباد وتدرأ عنهم المفاسد ومن ذلك أنها جمعت بين اللين واللطف في غير ضعف، وبين الشدة والحزم في غير ظلم وكل ذلك بقدره المناسب وفي محله المناسب وتأسيساً على ذلك فإن ما جاءت به الشريعة الغراء من تشوفها للستر ودرء الحد لا يعني ترك الحبل على الغارب وعدم الحزم في الأمور وتمكين ظهور الفساد، كلا، فالأمر بخلاف ذلك فالأمور فقد جعلت في نصابها ولكل شارد ما يقيده ويحمي المجتمع من ضرره فإنه ليس أهلا للستر من كان مجاهراً بمعصيته منتهكاً لحدود الله، معاوداً لأفعاله المنحرفة، مستخفاً بالناس، غير مبال بهم ولا باطلاعهم على عصيانه ومثل هذا يخبر عنه ويرفع به ويحذر منه.
أما من لم يقترف حداً من حدود الله ولم يعرف بالشر والأذى والفساد فإنه يندب في حقه إقالة عثرته وعلى هذا عمل رجل الهيئة إلا أن فئاماً من الناس- لقلة فقههم وغلبة عواطفهم- يرون ويطالبون بالستر في كل قضية مهما كانت دون النظر إلى قواعد الشريعة ونصوص الوحيين مع العلم أن ما يتم علاجه داخل مراكز الهيئة دون إحالته لجهات الاختصاص لا يحد بحد ولا يقارن بما يحال البتة.
هكذا تكون المرأة داعية
*كيف تكون المرأة داعية آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر في بيتها ومجتمعها؟
- تكون المرأة داعية آمرة بالمعروف وناهية عن المنكر في بيتها ومجتمعها بسلوك وسائل كثيرة أدناها ان تكون في ذاتها قدوة حسنة لبنات جنسها في هيئتها ولباسها وعلو همتها لا أن تكون سوقاً حرة يروج فيها ما يصدر عن البيئات الموبوءة، وتتلقف كل جديد مطروح ولو كان فيه حتفها.ويجب أن تدرك المرأة المسلمة أنها مستهدفة من قبل أهل الفساد أيا كان دينهم وجنسهم فيتعين عليها الاحتراز وعدم الانخداع، ويمتد دورها إلى تقديم البرامج المفيدة وطرح المفاهيم الإسلامية وتطبيعها بدءاً من البيت ومروراً بمحيط الأسرة الأكبر ثم اللقاءات العائلية ومناسبات الأعياد والأفراح وفي المدارس والجامعات وفي الدور النسائية وحلق تحفيظ القرآن الكريم النسائية تعلماً وتعليماً ومشاركة وتوجيهاً ورصداً للظواهر النسائية السلبية وعلاجها كتابة أو محاضرة أو غيرها ولا ننسى المرأة الموهوبة في الكتابة من جهاد الكلمة عبر قنوات التأثير واسعة الانتشار والمرأة الواعية المدركة أقدر من غيرها على الكتابة في قضايا المرأة وفق رؤية أصيلة تعتمد البرهان وتختار العبارة المناسبة وتتحرى الأسلوب الأمثل في التأثير، والمؤمن يألف ويؤلف ويؤثر وينفع والعزلة لم يححن وقتها والتلاوم والتشكي والتوجع ليس حلاً لمشكلات الأمة وإنما الحل أن يكون هناك خطوات عملية جادة للتأثير في الواقع وكل بحسبه فلا مجال للكسل والتواني ولا يسوغ لك أيتها المسلمة التفرج في وقت تتصارع فيه الأفكار ويجلب عليك الأعداء بخيلهم ورجلهم، فهل تعي المؤمنة حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها وتنهض لمقاومة المنكر ونشر المعروف؟
فكّري واعملي واجتهدي توفقي.. ولا تحقري من المعروف شيئاً ولا يخيفنك الذين لا يوقنون فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وكيد الشيطان ضعيف، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
مسؤولية القلم
- القلم مسؤولية وأمانة، فثمة من يتجرأ على القول بغير حق، فما كلمتكم لهؤلاء؟
- مسؤولية وأمانة وظهوره علامة بين يدي الساعة فقد ثبت عند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة وقطع الأرحام وشهادة الزور وكتمان شهادة الحق وظهور القلم «والشيء إذا فشا وذاع كثر مدعوه وقل آخذوه بحقه فكثر الخطأ وعم الزلل ناهيك عن الكذب والافتراء والتصريح بالعورات والمنكرات والجرأة على الله ورسوله، وقولي لمن تجرأ على القول بغير حق لا يزيد على قول ربنا جل في علاه لرسوله صلى الله عليه وسلم «ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا» ففي هذه الآية أدب الله نبيه بأدب عظيم وهو الإمساك عما ليس له به علم وعدم الخوض فيه فكيف بغيره بل فكيف بمن ليس معه ما يعينه على الخوض في مسائل الشريعة فالأمر جد خطير والذنب عظيم فضلاً عما يجره من المفاسد من ضلال الآخرين وإضلالهم قال ابن سيرين «لئن يموت الرجل جاهلاً خير له من أن يقول ما لا يعلم».
ثمرة الأمر
*- إذا قام المجتمع كاملاً بجميع فئاته بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما ثمرة ذلك وتوابعه؟
- إن هذه الشعيرة والدعوة إلى الخير هم للجميع ومسؤولية مشتركة وهي تعكس خيرية المجتمع ووعيه وكان السلف يعدون من لم يقم به من أهل الريب وابن مسعود وحذيفة رضي الله عنهما يصفان من لم يقم بالأمر والنهي بأنه ميت الأحياء ومن ثمار القيام به حصول الرحمة لمن اتصف به وحصول الأجر العظيم والفلاح كيف لا وهو من أبواب الجهاد والصدقات وبه تكفر السيئات ويعطى صاحبه مثل أجور من سبق من هذه الأمة وعاقبته التمكين في الأرض ودفع العذاب عن العباد مع تفاوت أفراد المجتمع في هذا الشأن كل بحسبه إلا أن المقصود هو أن يقوم كل فرد وكل فئة بما يستطيعه وسيعلم أنه هو الرابح الناجي الممتثل لأمر ربه.
الصبر في الاحتساب
*- الصبر في الدعوة والاحتساب على المدعوين أمر مهم، فكيف يكون ذلك؟ وما أثر العلم الشرعي فيه؟
- الصبر في الدعوة والاحتساب على المدعوين أمر مهم إذ أن هذا الطريق ليس مفروشاً بالورود والرياحين بل هو مليء بالأشواك والمصاعب والمتاعب فمن لم يتذرع بالصبر خليق به أن يستطيل الطريق ويستثقل العمل فلا يليق بالداعية أن ينزعج ويجزع ويترك مهمته أو يتبرم منها فلربما أن الكلمة التي جعل الله نجاة هذا المدعو بسببها لم تصل إلى أذنه بعد وربما تبذر- أنت- البذرة ويأتي غيرك فيسقيها فتنبت وتثمر وليعلم الداعية والمحتسب أن للقلوب إقبالاً وإدباراً وللنفوس قتامة وإشراقاً ولن يتحقق للداعية ما يريده إلا بالصبر ولذلك ختمت سورة العصر بالوصية بالصبر على العلم والعمل ويتأكد بعد الدعوة لمظنة عدم الاستجابة، فالصبر سلاح يجب ألا ينفك عنه المحتسب وهو منزلة عالية لا ينالها إلا من وفق لها ولهذا جعل الله ثوابه بغير حساب «إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب» ولا شك أن العلم الشرعي من أنفع الوسائل وأجداها لحصول الصبر والثبات عليه مع قراءة سير الصابرين في الدعوة إلى الله بدءاً بالانبياء والرسل ثم الذين يلونهم، والله الموفق.
تناقل الأقاويل
*- تداول القصص والأكاذيب والأقاويل عن الهيئة في المجالس والمنتديات ظاهرة تستحق التوقف، فإلى ماذا يعزو فضيلتكم هذه المشكلة وما أسبابها وكيف يتم علاجها؟
- تداول ذلك عن الهيئة في المجالس والمنتديات ظاهرة تستحق التوقف وإن كان بث الشائعات وترويجها واتهام من ظاهره الصلاح ليس وليد اليوم بل منذ الصدر الأول وما حادثة الإفك وغيرها إلا دليل على وجود هذا الداء ولو لم يكن موجوداً لما نزل التشريع في شأنها ولكن تشخيص الداء والبحث له عن دواء أمر مطلوب بل هو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي نظري أن هذه المشكلة تنبع من توجهات مختلفة فإما شخص حاقد مغرض يجب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا فيطعن في رجالها بإيراد قصص مختلفة ويضخم أخطاءها- إن وجدت- بغرض القضاء عليها وإضعاف الاحتساب وهز ثقة الناس في العاملين فيها وربما انساق بعض البسطاء إلى ترديد مقولة هذا المغرض دون إدراك وتمحيص وقد تصدر القصة ممن رأى الحادثة بعينه وفي ظاهرها الخطأ وباطنها عكسه فأصبح الرائي لم ير إلا نصف الحقيقة لا كلها وربما نقل القاص خبراً خطأً وهل آفة الأخبار إلا رواتها؟! ولا شك أن الفراغ عند كثير ممن يتحدثون عن رجال الحسبة عامل رئيس في تداول القصص والأقاويل دون تثبت وتمحيص وعلاج هذه الظاهرة لا يكون إلا بالالتزام بالمنهج الرباني «ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا» والوعيد النبوي «كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع» وقوله «وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم» وإن الواجب على كل مسلم إذا رأى خطأ أو سمع شائعة أن لا يتندر بها في المجالس بل عليه المناصحة بعد التأكد وقد جاء في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم «من حمى مؤمنا من منافق يغتابه بعث الله- تعالى- إليه ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من نار جهنم ومن رمى مؤمنا بشيء يريد سبه حبسه الله- تعالى- على جسر جهنم حتى يخرج مما قال».
الفرق شاسع
*- ما الفرق بين النصيحة والفضيحة؟
- قال عنها الخطابي رحمه الله هي كلمة جامعة معناها «حيازة الحظ للمنصوح له» فهي حق لكل مسلم على أخيه إذا رآه قد غشى محرماً أو ترك واجباً أن ينصح له سراً بينه وبينه فإنه أرجى للقبول وأدل على الإخلاص وأبعد عن الشبهة لا سيما إذا كان الخطأ وقع من صاحبه سراً، فالمؤمن الناصح ليس له غرض في إشاعة عيوب من ينصح له وإنما غرضه إزالة المعصية التي وقع فيها أخوه، أما إذا كان الفعل أمام الناس ظاهراً فإنه لا مندوحة من معالجته علناً ولا حرج في ذلك لأن صاحب المنكر هو الذي فضح نفسه وأعلن البلاء عليها وفي الإنكار عليه علناً مصالح لا تخفى من إظهار شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومثاله ما يقوم به بعض الناقدين في المجالس وبعض الكتاب في الصحف وغيرها من نقد يزعمون أنه نصيحة وهو فضيحة وتشهير يسببان النفرة قال ابن رجب رحمه الله «اعلم أن ذكر الإنسان بما يكره محرم إذا كان المقصود مجرد الذم والعيب والنقص أما إن كان فيه مصلحة لعامة المسلمين أو خاصة لبعضهم وكان المقصود منه تحصيل تلك المصلحة فليس بمحرم بل مندوب إليه».
مسألة مهمة
*- هل العصاة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؟
- وقوع المرء في معصية لا يعذره في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن وقع في منكر ولم ينه عنه فإنه يكون قد ارتكب معصيتين: الفعل وترك النهي عنه أما إذا وقع في المنكر ونهى عنه فإنه يكون قد ارتكب إثماً واحداً وهو الفعل قال النووي رحمه الله «بل عليه الأمر وإن كان مخلاً بما يأمر به والنهي وإن كان متلبساً بما ينهى عنه فإنه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه وينهاها ويأمر غيره وينهاه فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر؟
«وقال سعيد بن جبير» لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر «قال الإمام مالك تعليقاً على ذلك» صدق، ومن ذا الذي ليس فيه شيء».
ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب
فمن يعظ العاصين بعد محمد؟
|
ويقال لمن هذا حاله: استمر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واتق الله في نفسك فمرها بالمعروف وانهها عن المنكر ويجب أن تكون أول فاعل لما تأمر به وأول تارك لما تنهى عنه ابتعاداً عن مقت الله لك بقوله «{يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا لٌمّ تّقٍولٍونّ مّا لا تّفًعّلٍونّ (2) كّبٍرّ مّقًتْا عٌندّ اللهٌ أّن تّقٍولٍوا مّا لا تّفًعّلٍونّ (3)}. والحاصل أنه يلزم المقصر العاصي الأمر بالمعروف حتى وإن لم يتمثله ويلزمه النهي عن المنكر وإن ارتكبه.
(*)إدارة العلاقات العامة والإعلام بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
|