* القاهرة مكتب الجزيرة - عتمان أنور- علي البلهاسي:
التداعيات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية تنذر بالخطر وتفتح الباب للتساؤلات المؤلمة والهواجس المشروعة حول حقيقة ما يجري وما هو متوقع ان يحدث. فصائل المقاومة وعلى رأسها حماس جمدت حوارها مع أبو مازن وطالبته بالتحلل من خطابه في قمة العقبة، فترد اسرائيل بعشرة صواريخ لاغتيال عبد العزيز الرنتيسي أحد قادة حماس، وتتعقد الخيوط في يد رئيس الوزراء الفلسطيني ويبدو المستقبل أكثر قتامة عكس الطرح الوردي الذي أعلنه بوش وبشر فيه العالم بدولة فلسطينية مؤقتة بعد عامين من الآن .
من يمنع خارطة الطريق من ان تغرق في بحر الدم خاصة بعد عملية الاغتيال الفاشلة للرنتيسي؟ ومن يوقف يد شارون التي تعمل في الخفاء لدفع شوكة المقاومة الى صدور رجالها أنفسهم؟ عندما يتفجر دم الشهداء من ثقوب العمالة ومن القروح القديمة وعندما يسيل في غير مكانه وزمانه، هل نقول ان حلم الدولة أمسى وهماً؟
إسرائيل كانت ومازالت تجيد
لعبة إثارة الفتنة
أعادت اسرائيل دوامة العنف من جديد التي جاءت بعد ان كادت الفصائل الفلسطينية وخاصة حماس تتوصل لاتفاق هدنة مع أبو مازن رئيس الوزراء الفلسطيني الأمر الذي وضع الحوار مع فصائل المقاومة الفلسطينية على المحك وكانت فصائل المقاومة الفلسطينية قد أبدت تحفظاتها على خطاب أبو مازن في قمة العقبة وتهدد الحوار بالفشل وكأن هناك دفعا لاحداث تصادم بين الفصائل والسلطة فهل هذا ما تهدف اليه اسرائيل وهل يمكن ان تسفر الأحداث عن اقتتال فلسطيني داخلي أو حرب أهلية !!
حول هذه التساؤلات التقت الجزيرة بنخبة من المحللين السياسيين وخبراء الاستراتيجية:
يرى السفير عبد الرؤوف الريدي سفير مصر في الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق أن الفلسطينيين حريصون على ألا يصلوا الى حد الاقتتال الداخلي أو الحرب الاهلية وهم مطالبون بإعمال قدر أكبر من الحكمة والعقل والتكاتف لمواجهة الاحتلال.
ويضيف الريدي ان فصائل المقاومة الفلسطينية كانت ترى منذ البداية أن خطة خارطة الطريق لا تعيد الحقوق الفلسطينية كاملة كما ان وصف المقاومة بالارهاب جاء ثقيلا وصادما لهذه الفصائل وعلى ذلك جاء التصعيد الفلسطيني الاسرائيلي بعد قمة العقبة انعكاسا لهذا الرفض وتعبيراً عن المواقف التي ما تزال بعيدة حيث قامت القوات الاسرائيلية باغتيال اثنين من كوادر حماس وجاء الرد بالعملية الفدائية التي اشترك فيها ثلاث منظمات رئيسية هي حماس وفتح والجهاد وردت إسرائيل بالصواريخ في محاولة فاشلة لاغتيال عبد العزيز الرنتيسي وواصلت القوات الاسرائيلية اعمالها القمعية والحصار ضد الشعب بمعزل عما حدث من تطورات سياسية وبدا ان دوامة العنف بدأت تعود بقوة من جديد واستمرارها مرشح للتصاعد في ظل اتساع دائرة الرفض للخريطة وما حدث في قمة العقبة والجانب الاسرائيلي هو الذي يقوم بعمليات الاستفزاز ويبادر بالعنف من خلال الملاحقة والاغتيالات وتضييق الخناق على الشعب الفلسطيني وفي نفس الوقت تحاول اسرائيل ان تظهر عكس ذلك ويملأ شارون العالم ضجيجا بأن الفلسطينيين هم الذين يبادرون بالعنف أما العلاقة بين الفصائل وأبومازن فهي تخضع لعمليات شد وجذب ولكن بعيدا عن الاقتتال الداخلي فأهم ما يميز قادة الانتفاضة وفصائل المقاومة هو التزامهم بعدم توجيه بنادقهم الى صدور الفلسطينيين أيا كان موقعهم لذا فالحرب الاهلية مستبعدة.
ويؤكد الريدي انه من الضروري ازالة التوتر والاجواء المشحونة لتعيد الفصائل والسلطة الفلسطينية الحوار حيث لا يحتمل الصف الفلسطيني أية مواجهات لأن حساسية الشأن الفلسطيني مفهومة لدى كافة الأطراف حيث ان هناك توافقاً على الثوابت.
ويرى الدكتور مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ان الحرب الأهلية دائما كانت مطلبا اسرائيليا وان الوقيعة بين الحكومة والفصائل الفلسطينية المسلحة قد تؤدي تلقائيا الى شن حملة حكومية أمنية فلسطينية ضد الفصائل المسلحة لنزع سلاحها والزج بها في السجون واذا كان أبو مازن غاضبا من قرارات الفصائل الفلسطينية لأنها تضاعف من تأزم العلاقات بين الرئيس والفصائل وتقلل من سيطرة عرفات وكانت حماس مستعدة لعقد هدنة لكن كانت المفاجأة ان اسرائيل قامت بفرض الحظر التام على الضفة الأمر الذي عادت معه المخاوف لفصائل المعارضة.
ويؤكد علوي ان تطمين الشارع الفلسطيني على مسلماته وثوابته وليس مواجهته هو الهدف وهذا مسئولية الحكومة الفلسطينية أما عن عملية ايريز فيقول علوي ان عملية ايريز جاءت رد فعل لما ترتكبه قوات الاحتلال الاسرائيلي من جرائم قتل واغتيال وتدمير منازل وحملت معها رسالة مفادها ان الجيش الاسرائيلي لن يكون قادرا على كسر ارادة هذا الشعب خلال عملية التفاوض كما ان المقاومة ليست ارهابا وانما ضد محتل غاصب ولكن ليس كما ذهب بعض المراقبين انها لنسف خارطة الطريق وعملية السلام إلا ان محاولة اغتيال الرنتيسي هي التي ستنسف عملية السلام فالكفاح المسلح ليس هدفا في حد ذاته ولكن يجب استثماره في التفاوض وقد أعربت فصائل المقاومة الفلسطينية من قبل عن اجراء حوارها مع أبو مازن وهو ما يعني اعطاء الفرصة له وابو مازن لدى الفصائل في النهاية ليس شارون.
ويؤكد علوي اذا كانت هناك مساع لحل ازمة الشرق الاوسط فلابد من البدء بمنح الشعب الفلسطيني أقل القليل من حقوقه المغتصبة والمهدرة لا مطالبة بوقف المقاومة وترك شارون حرا في ان يفعل ما يشاء دون قيد أو رقابة وقد سارعت فصائل المقاومة الفلسطينية الرئيسية لتأكيد رفضها للتعهدات التي قدمها أبو مازن غير ان شارون يعلم قبل غيره انه لكي يكون هناك سلام يجب ان يكون قائما على العدل على الأراضي الفلسطينية المحتلة واذا كانت لدى شارون رغبة حقيقية فعليه ان يبدأ بنفسه.
خط أحمر
يقول هاني رسلان الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية انه حتى الآن الاقتتال الفلسطيني - الفلسطيني يمثل خطاً أحمر بالنسبة لكافة الفصائل الفلسطينية وهذا يسري على السلطة الفلسطينية ايضا وهناك اتفاق فلسطيني داخلي على أهمية وحدة الصف الفلسطيني في هذه الفترة بالذات لكن الخلاف هذه المرة مختلف عن المرات السابقة لأن الالتزامات التي اعلنها أبو مازن في قمة العقبة تصطدم مبدئيا بقناعات اساسية لدى منظمتي حماس والجهاد.
وأضاف هناك الكثير من التفاصيل حول هذا الخلاف ولكن نستطيع ان نقول ان جوهر موقف حركتي حماس والجهاد هو القبول بهدنة مؤقتة تسمح لأبو مازن بالحركة في مفاوضاته مع الاسرائيليين والمناورة معهم لاكتشاف مدى جديتهم في تطبيق خريطة الطريق أم لا وهذه الهدنة ولاشك تعطي لمنظمات المقاومة فرصة لاعادة استئناف الكفاح المسلح مرة أخرى في حالة ما اذا كانت اسرائيل تناور وليست صادقة في تحقيق السلام.
وأشار رسلان الى ان جوهر الخلاف الذي تصاعد مؤخرا يكمن في الاعتراض على أبو مازن في توصيفه لمسألة الكفاح المسلح فهو يريد انهاء الطابع العسكري للانتفاضة بشكل كامل وهم يريدون تعهدا بعدم استهداف المدنيين فقط في حين يبقى استهداف الجنود الاسرائيليين كفاحا وطنيا من أجل التحرر ولا يوصف على انه عنف أو ارهاب ولا يمكن التخلي عنه من المبدأ.
وأكد رسلان ان الفصائل الفلسطينية لا تعادي أبو مازن ولا تريد التصادم معه ولكن تباعد المواقف بينهما يصب في خلاف استراتيجي في الرؤية حول ما ستسفر عنه الجهود الحالية من مكاسب للفلسطينيين مقابل التنازلات التي يقدمونها فالفصائل تعرف جيدا ان اسرائيل لن تقدم شيئا وان الضغط الأمريكي سوف يخف بعد فترة بسبب انشغاله في مسألة الانتخابات الأمريكية وانه لن يحدث على الأرض سوى تفكيك البنية التحتية للمقاومة وحرمانها من أسلحتها ومن حقها في مقاومة العدو وهكذا سيتم اسقاط المقاومة دون مقابل في حين يرى أبو مازن ضرورة اتاحة الفرصة امام عملية السلام والرهان على الراعي الأمريكي في تحقيق تقدم ملموس على الأرض.
وأشار الى ان حكومة أبو مازن يمكنها تلافي الصدام مع منظمات المقاومة بقبول اقتراح الهدنة والسعي لتحقيقه فهو اقتراح جيد واذا حصل أبو مازن على التزام قطعي بالهدنة ووقف العنف من الفصائل سيكون مخرجا معقولا سيؤجل الصدام بين الجانبين لحين تنفيذ بعض الاتفاقات المتبادلة وهو ما قد يخلق مناخا مواتيا يساعد على عملية التسوية ويشجع الفصائل على تقديم تنازلات أخرى.
وأضاف ان أبو مازن حريص على الحوار مع الفصائل والوصول الى اتفاق ولكن اسرائيل وأمريكا لن تكتفيا بموضوع الهدنة فهما تريدان تفكيك البنية التحتية للمقاومة وانهاءها وتعتبرانها منظمات ارهابية ولكن ربما تقبلان بالهدنة اذا حدثت كمرحلة تكتيكية.
مراجعة الوسائل
ويستبعد الدكتور عماد جاد الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية ان يحدث اقتتال فلسطيني فلسطيني قائلا ان الحوار الفلطسيني الداخلي يمر الآن بمرحلة صعبة ولكنها مجرد خلافات لا ترقى الى صراعات واقتتال وهذه الخلافات كانت بسبب التصريحات التي أعلنها أبومازن امام قمة العقبة وتعهداته التي قطعها على نفسه أمام الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الاسرائيلي وقال جاد ان منظمات المقاومة ترى ان تعهدات أبومازن أمام قمة العقبة تمثل أخطاء في حق المقاومة الفلسطينية خاصة وانه وصف أعمال المقاومة بأنها ارهاب ضد الاسرائيليين وتعهد بالقضاء عليها وتعهد بنزع أسلحة الفصائل وهو ما يفكك بنيتها التحتية وتعهد أيضا بمحاربة التحريض على الارهاب وهو في نظر الفصائل حث على الجهاد والمقاومة.
وقال جاد ان الفصائل الفلسطينية حاولت ان تثبت حقها في مقاومة الاحتلال الفلسطيني من خلال عملية معبر ايريز الأخيرة في رسالة واضحة لابو مازن والاسرائيليين والامريكيين ان استهداف الجنود الاسرائيليين حق من حقوق مقاومة المحتل وانها تتجاوب مع الجهود الحالية بعدم استهداف المدنيين ولكن مثل هذه العمليات تضع أبومازن في موقف حرج امام التزاماته في العقبة بوقف العنف وهو ما تراهن اسرائيل على فشله فيه وتتوقع ان يتصاعد الأمر الى قتال بين هذه الفصائل وقوات دحلان.
وأكد جاد ان منظمات المقاومة ما زالت تحتاج الى وقفة لمراجعة وسائل المقاومة فالهدف ليس التخلي عن المقاومة من حيث المبدأ ولكنه مراجعة لإحدى وسائل المقاومة وهو العمليات الاستشهادية خاصة اذا كانت تأتي بردود سلبية على موقف الحكومة والسلطة الفلسطينية ولابد ان تدرك الفصائل التغيرات التي شهدتها المنطقة وتمنح أبو مازن فرصة الكفاح بوسائل أخرى ولا يعقل ان تعلن حماس أو الجهاد قطع الحوار مع أبو مازن أو تتسرع وتتهمه بالتفريط في القضية وتشترط عليه أفعالا أو اقوالا كي تتفاوض معه فهو تشدد غير مقبول من الفصائل ومن حق أبومازن ان يجرب طريق المفاوضات وان تعطيه الفصائل الفرصة لبعض الوقت ولاشك ان توحد الجانب الفلسطيني وتجاوبه سيضع اسرائيل في العديد من المشكلات السياسية التي ستظهرها على حقيقتها للرأي العام العالمي.
وأكد جاد ان الفصائل الفلسطينية لابد ان تتفهم ان الانتفاضة المسلحة مجرد وسيلة الى هدف مشروع وان الاهم هو تحقيق هذا الهدف واذا كان يمكن الوصول الى الهدف بوسائل أخرى فلِمَ لا تجربها واذا فشلت فلن يعجز الفلسطينون عن العودة لاستخدام وسيلة الكفاح المسلح ولن يلومهم احد على ذلك ولكن في هذا الوقت بالتحديد هناك متغيرات حدثت يجب وضعها في الحسبان ولاشك ان مواقف شارون تقول ان هناك تغيرا في الظروف السياسة في المنطقة وانه ربما تنجح جهود السلام في تحقيق ما فشلت فيه الجهود السابقة.
وأضاف انه على الرغم من عدم جدية حكومة شارون والشكوك في نياتها الا انها تعتبر المرة الأولى التي تقر فيها حكومة من اليمين الاسرائيلي بوجوب الانسحاب من الضفة الغربية واقامة الدولة الفلسطينية وهو ما يمثل تراجعا عن أفكار الليكود المتطرفة وهو ما يشير الى ان هناك جديدا على الساحة الاسرائيلية يجب استغلاله سواء جاء هذا بضغوط امريكية أم لا.
|