* القاهرة- مكتب الجزيرة - طارق محيي - إبراهيم محمد:
بين تحديات الواقع وتطلعات المستقبل بدأ مجلس الحكم المؤقت في العراق اعماله تحت رئاسة الحاكم المدني الامريكي بول بريمر!! وضع هذا المجلس مبادئ وخططاً يسعى لإنجازها على ارض الواقع الذي يعج بالاضطرابات..... فهل يستطيع مجلس الحكم المؤقت في العراق تحقيق الامن والاستقرار والديمقراطية والتنمية الاقتصادية؟ وهل هذا المجلس قادر على بناء عراق جديد؟ ... «الجزيرة» استطلعت آراء خبراء وسياسيين.
في البداية يقول الدكتور السيد عليوة استاذ العلوم السياسة جامعة حلوان اشك في ان ينهض مجلس الحكم المؤقت في العراق بمهمته في تحقيق هذه الاهداف الكبيرة التي وضعها امامه نظرا لأن المجلس سوف يعمل تحت حراب قوات الاحتلال الأمريكي البريطاني بكل مضاعفاتها وهو ما يؤثر بالسلب على المجلس.. كما ان الكلمة الاخيرة في هذا المجلس ستكون للمصلحة الأمريكية وللسياسة والاستراتيجية الأمريكية التي يعبر عنها بول بريمر الحاكم المدني الامريكي للعراق «الدبلوماسي المسلح» الذي يملك حق الاعتراض (الفيتو) على اي قرار يتخذه المجلس. واضاف د. السيد عليوة الى جانب هذه الاعتبارات السابقة هناك ايضا الغموض الذي يحيط بأهداف وترتيب المجلس واختصاصات اعضائه وطبيعة العلاقات بينه وبين الحكومة العراقية مستقبلا واحتمالات تصاعد اعمال المقاومة العراقية للاحتلال الامريكي الذي ينعكس بالطبع على اعمال وخطط المجلس الجديد .. كما ستقود اعمال المقاومة الى فرز المجتمع العراقي الى فريقين مع الاحتلال وضده وهذا سيضع المجلس المؤقت (الوطني) في مأزق الاختيار الصعب بين الرضوخ لسلطات الاحتلال او التجاوب مع مشاعره الوطنية .. علما بأن سياسة الولايات المتحدة الامريكية في العراق تدرك احتمال اخفاق هذا المجلس في مهامه الرسمية التي تخدم هذه السياسة ومن ثم فهي تتجه الى تدويل الا حتلال الامريكي باستدعاء قوات من اوروبا لإضفاء الشرعية على الاحتلال الامريكي للعراق .
وعن الدستور والديمقراطية اوضح د. عليوة اننا أمام ظاهرة استعمار جديدة في القرن الحادي والعشرين ولكنها تأخذ قشرة حضارية معاصرة تحت تسمية التحرير والديمقراطية والتنمية وهذا يذكرنا بالقرن ال 18 حينما ادعت الحركة الاستعمارية الاوروبية ان عليها مسئولية تمدين الشعوب الملونة «فلتكن ذاكرة التاريخ» حية .
واضاف انه لن تكون هناك ديمقراطية ولا دستور حتى في المستقبل القريب وانما كلها مجرد ادعاءات امريكية لإكساب الاحتلال شرعية دولية .
تشاؤم
أما ضياء رشوان الخبير بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فهو غير متفائل بتشكيل مجلس الحكم المؤقت في العراق ويرى ان المجلس قد بدأ بداية غير موفقه تماما وذلك باتخاذه يوم 9 ابريل يوم سقوط بغداد في يد الاحتلال عيدا قوميا للعراق والغاء يوم 14 يوليو الذي هو عيد استقلال العراق الفعلي وليس عيدا للنظام السابق .
وان هذا الامر مؤسف جدا وسيؤثر بالسلب في نفوس الشعب العراقي وسيلقي بظلاله على المجلس المؤقت المعين من قبل الادارة الامريكية في تعامله مع الشعب العراقي واضاف ضياء رشوان ان المجلس المؤقت من قيادات عراقية معارضة كانت مقيمة في الخارج لا تعرف هموم واحتجاجات الشعب العراقي ولا اهتماماته وهذا سيحد من قدرتها على تلبية الاحتياجات الضرورية والمطالب الرئيسية للشعب العراقي وبالتالي ستفقد قبولها لدى الشعب العراقي موضحا ان المجلس تم تشكيله بقرار امريكي ويرأسه الحاكم المدني الامريكي بريمر فهذا المجلس يفقد شرعيته كمجلس يحكم العراق لانه شكل بقرار المحتل ويرأسه حاكم امريكي.
واشار رشوان الى ان المجلس المؤقت لحكم العراق مجلس سياسي وليس خدمياً فهو يعين الوزراء ويقيلهم ولكن صلاحياته غير كاملة فالحاكم الامريكي بريمر له حق الاعتراض على اي قرار ولم يحدد ماهية القرار ولكن حق النقض في تقديري سيكون على اي قرار لا يخدم المصالح الامريكية ومع عدم شرعية المجلس وعدم اكتمال صلاحياته يرى رشوان ان هذا سيؤثر على قدرة المجلس المؤقت على حل المشكلات التي ستقابله وتعوق قدرته على التعامل مع المتطلبات التي تقتضيها المرحلة المقبلة. واوضح ان الدستور الذي ينوي المجلس وضعه ليس من حقه ولا من حق اي سلطة احتلال ان تضع دستوراً ولكن الدستور دائما يكون عن طريق جمعية تأسيسية من ابناء البلد .. واذا وضع المجلس دستورا فبالطبع سيخدم المصالح الامريكية وسيكرس من وجود قوات الاحتلال. واضاف رشوان ان الديمقراطية ليست الا مجرد شعار اتخذته امريكا لدخول العراق ولن تطبقه فالمؤشرات تؤكد استمرار القوات الأمريكية في العراق لأربع سنوات قادمة طبقا لتصريحات المسئولين في الادارة الامريكية الذين اكدوا ان بناء عراق جديد يستلزم وجود قوات الاحتلال من سنتين لأربع سنوات قادمة فأي ديمقراطية التي يتحدثون عنها؟ واكد رشوان ان الامن والاستقرار في العراق لن يحدث الا بخروج قوات الاحتلال من العراق والتي يرى انها تكرس من وجودها، وقال طالما ان هناك احتلالاً فسيكون هناك مقاومة.. وعن الاوضاع الاقتصادية للشعب العراقي قال رشوان ان العراق يمتلك اقصادا سياديا اي «النفط» ومع سيطرة قوات الاحتلال الامريكي البريطاني على النفط في العراق واحتكارهم له ليعوضوا خسارتهم في الحرب فلا ارى ان يتحسن الاقتصاد العراقي سريعا خاصة وان المجلس المؤقت لا يمتلك اي صلاحيات على قطاع النفط وهو ما يزيد من الامور تعقيدا واضطرابا .
تكريس الاحتلال
أما د. هشام صادق استاذ القانون الدولي جامعة الاسكندرية فيرى ان مجلس الحكم المؤقت ليس الا آلية من آليات تكريس الاحتلال الامريكي للعراق وان المبادئ التي وضعها هذا المجلس انما هي ديكورات لتجميل وجه الاحتلال وان المسألة كلها لا تعدو تبريراً لوجود القوات الامريكية البريطانية في العراق لفترة قد تطول حسب الرؤية الامريكية وهل حققت اهدافها ام لا؟
وشكك هشام صادق في ان يحقق هذا المجلس الامن والاستقرار مؤكدا ان قوات الاحتلال جاءت بالفوضى وزعزعة الامن والاستقرار في العراق وهي حتى الان لا تستطيع السيطرة على الامور داخل العراق .. ومع استمرار اعمال المقاومة ضد الاحتلال فلن تهدأ الامور الا برحيل قوات الاحتلال فهذا درس التاريخ الذي تعلمناه واضاف انني لا اعتقد ان يكون هناك استقرار او امن في العراق في ظل الظروف الحالية ولا في المستقبل القريب وذلك لان الاوضاع السياسية والامنية في العراق غير مستقرة والفراغ السياسي ما زال موجودا ولا اعتقد ان مجلس الحكم المؤقت قادر على ملء هذا الفراغ . واشار د. هشام صادق الى الديمقراطية المزعومة من قبل امريكا والتي تريد تطبيقها في العراق قائلاً: ان الديمقراطية مطلوبة وحق من حقوق الانسان ولكن كيف تتحقق في وجود قوات الاحتلال وحتى المجلس المؤقت تم تشكيله دون انتخابات شرعيه والحاكم المدني له حق النقض على اي قرار لا يتناسب مع السياسة الامريكية بالطبع . واكد د. صادق على ان الدستور يجب ان يكون نابعاً من الشعب العراقي وليس موضوعاً من قبل مجلس مؤقت او غيره ويرى ان الحل الوحيد لوضع الدستور ان يكون هناك مشروع قومي عراقي للدستور يحدث استفتاء شعبياً على المبادئ الاساسية لهذا الدستور ويكون ذلك تحت اشراف الامم المتحدة وليس تحت اشراف قوات الاحتلال وكذلك لا بد ان يكون هناك اشراف من الامم المتحدة على الانتخابات العامة فمن حق الشعب العراقي ان يضع دستوره وان يختار حكامه موضحا ان ذلك لن يحدث إلا بائتلاف وطني عراقي لجميع القوى الوطنية العراقية على كافة مستوياتها واختلاف اتجاهاتها .
|