Friday 25th july,2003 11257العدد الجمعة 25 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مقالة مقالة
مسافرون نتصفح مبادرة التعقل
عبد الاله العتيبي / الرياض

مسافرون عبر الطريق المنحدرة من سفوح الجبال، الى المدن القابعة خلف تلال الشمس وهمسات القمر وانسياب حركة النجوم المتناثرة فوق صقيع الأنهار.
مسافرون عبر الدروب الطويلة، وسط السكك الحجرية، فوق الحجارة المتكدسة، نفترش الحصى يعصرنا الالم الغضي وينثر علينا من آهات الليالي الطويلة.
مسافرون ولا ندري الى اين نتجه.. ويبدو اننا نتجه شرقا او غربا بينما الشمال والجنوب يتجهان نحونا لأننا جميعا مسافرون.
مسافرون وسط الطرق التاريخية، تحت رحمة اصوات الجنود، وقعقعة السلاح، وهدير الاحذية التي لم تفترش الراحة ولم تغتسل من ينابيع السلام.
مسافرون ونحن نغني اغاني الحزن.. نقرأ اشعار الألم.. ننشد اناشيد رعاة الشاة بين اسراب الطيور المهاجرة فالكل مسافرون.
مسافرون.. وأظننا تائهين.. لكننا حتما متوشحون سواد النهار وسكون الليل، متوسدون القمر، نتعرف على تخوم النهار، وننادي تباشير المساء بالظهور علنا، فنحن مسافرون.
مسافرون ولكن لم نصل بعد، لأننا لا زلنا رغم الشتاء الحار والمسافات المتوقعة.. مسافرون.. وفي الليل تتجه كل الاتجاهات الينا.. تسألنا: لماذا نحن مسافرون؟ واين نحن متجهون؟ بينما هم مثلنا مسافرون.
مسافرون بلا محطات قطار توصلنا النهاية، بلا رغيف او شربة ماء طاهرة، بلا طعام للغرباء الجائعين والمنهكين، بلا شفقة، بلا انارة تكتسح النهار او شعلة تخرس كل الالعاب الشتوية، بلا مطر يجفف الينابيع، يحرق الانهار، يغسل الثلوج، يتسلق الاشجار، ويحرك العيون، فالكل مثلنا مسافرون.. ينشدون.. ويغنون.. نحن مسافرون.
مسافرون داخل العيون البريئة نبحث عن دمعة لم تمسح او تجفف او قطرة ماء لم تتحول بعد الى نهر يغسل المآقي وسط بحار البخار ودخان البراكين وغبار المشانق الخالية من الرحمة.
مسافرون داخل القلوب عبر انفاق الاوردة نتنفس آهات الحب التي ولدت مع بداية اختراع قصص البطولة والحب والغرام والتضحية وقصة قيس وليلى وتعاويذ تخوم التاريخ وترانيم المسافرين في وهج النهار.
مبادرة العقل والمنطق نبحث عنها وسط ضجيج الشوارع العربية وتنديد العوام والاكلات الكثيرة التي وضعت القضية الفلسطينية على مباسطها وبثمن بخيس.
مسافرون نقرأ الوجوه، نقرأ الخوف، نبحث عن العيون التي لا تكذب.. لا تنافق، نتوعد انفسنا بالتوقف عند محطات الصراحة التي تحت الانشاء.
مسافرون لكننا لسنا تجار جملة نبيع القضايا المصيرية والاصلية ولسنا تجار سندات نحررها على الطريق السريعة او نبيع الناس بحطام الناس فنحن مسافرون ولا وقت لدينا نضيعه في التفاهات.
مسافرون رغم الالم والحزن المتسربل داخلنا رغم الخوف الذي يتربص بنا رغم النسيان الذي يحيط بنا.
مسافرون تائهون منسيون لكننا حتما مسافرون نجتاز الحدود فوق تحليق الطائرات وبعيدا عن الصواريخ الضالة.
مسافرون بدون هوية او جواز سفر مثل الغجر او القاطنين عند الغدران ومنابت النمل. مسافرون نسأل: اين نجد الوطن الذي لا يوجد فيه مسافرون؟ اين الوطن الذي لا يصنع الخبز ويأكله؟ اين الوطن الذي يحصد الجبال ويقتلع السهول.
مسافرون بلا قضية بلا مكان نبحث عنه بلا قلعة نؤوي اليها لاننا مسافرون.
ايتها الطرق المليئة بالمسافرين على ارصفتها نريد ان نستريح قليلا ولكن لا تنتظري منا التوقف فنحن مسافرون.
ايتها القضايا التي لم تعثر على زوج واحد يتزوجها، يحميها، يسترها وحيث تتربص بها «العنوسة» لا تنظري منا خطيبا او ثرثارا او كاتبا فنحن مسافرون.
مسافرون رغم النكبات والنكسات والهزائم.. لا لنبحث عن انتصار او هزيمة جديدة ولكن لنصنع للسلام مطارا لا يعمل ولحمامة السلام مدرجا لا تحتاجه فنحن جميعا مسافرون.مسافرون وفي كل الطرق هناك مسافرون.. انهم مثلنا ليس لديهم راحلة.. والطريق طويل ومع ذلك فهم ونحن مسافرون.. مسافرون.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved