الجامعات السعودية بلا ريب جزء مشرق من تاريخ هذا البلد، وجانب مثمر من حضارته، ودعامة أكيدة لرقيه وتقدمه.
هذه جامعاتنا التي تنتشر شيئاً فشيئاً وفقاً لمعطيات التنمية لتشمل مناطق المملكة العديدة، ومساحتها الشاسعة، ولا نملك إزاء القرار السامي الكريم بإنشاء ثلاث أخر إلا الشكر والتقدير لقرار يعطي للتعليم الجامعي في المناطق المشمولة بالقرار الجديد أفقاً أرحب من التعليم العالي، لتكون هذه الجامعات مع قريناتها، متعاونةً في تعليم الأجيال وتثقيفهم، منافسة في حقول العلوم وميادين المعرفة، مساهمةً في نمو هذا البلد وتنميته.
لقد كان وقع القرار على أبناء القصيم بعامة والمعنيين بالتعليم العالي بخاصة كبيراً، فلولاة الأمر من الجميع الشكر والتقدير بعد حمد الله وشكره بما هو له أهل، والشكر موصول لجامعة الإمام محمد بن سعود صاحبة السبق في نواة هذه الجامعة قبل قرابة الثلاثين عاماً، خرجت إذ ذاك أفواجاً تلو أخر من حملة نهضة هذه البلاد في شتى ميادين الحياة والشكر نفسه لجامعة الملك سعود شريكة جامعة الإمام في نواة جامعتنا الفتية التي ساهمت في البناء، وفق خطة مدروسة مدعومة بسخاء، لتخرج جامعتنا جامعة القصيم وليدة كبرى جامعات مملكتنا الحبيبة.
كيف ستكون هذه الجامعة؟ وما هو مستقبلها؟ وكيف سيكون وزنها مقارنة بقريناتها في الداخل والخارج؟ أسئلة كبيرة بحجم القرار هي حديث الساعة من المهتمين بشأنها من قريب أو بعيد، يضاف إليها تطلعات كبيرة وآمال غير محدودة.
وأحسب أن الدولة حرسها الله لن تدخر وسعاً في إتاحة الممكن من الامكانيات والموارد لهذه الجامعة الوليدة، محققة للآمال وسابقة للتطلعات.
بيد أن الهيئة التعليمية والإدارية برئاسة مديرها المنتظر هي التي ستنوء بحمل الأمانة وثقل المسؤولية لمباشرة العمل في البناء والتأسيس.
إن مهمة بناء وتأسيس جامعة عملية ليست هينة حيث التطور الكبير في التخصصات الأكاديمية والأساليب العلمية والسمات التاريخية للعمل الجامعي.
لقد كانت الجامعة وإلى وقت قريب معنية باكساب المعرفة والعلم وسط أبراج عاجية يقيم فها أكاديميون يرتادهم الطلبة بمحبرة وكتاب لسماع محاضرة. هكذا أمس، أما اليوم فإن العمل الجامعي جزء لا يتجزء من المنظومة التنموية لأي مجتمع، وهو بهذا أكثر تعقيداً وأسرع تطوراً من حيث التأثير والتأثر بالبيئة المحيطة للجامعة.
ربما تكون هذه العبارات موغلة في التعميم والإبهام، بيد أن المقصود هو أن الإدارة الجديدة لهذه الجامعة مسؤولة أمام الله ثم أمام ولاة الأمر والمجتمع لإرساء وتأسيس قواعد مثلى لعمل تعليمي جامعي مستمر ذي قدرة على اختزال العلوم والمعارف من مختلف مظانها بالوسائل التقنية المناسبة المتعارف عليها عالمياً في التعليم الجامعي، شاملة الأبعاد الرئيسة الثلاثة التعليم والتدريب، والبحث النظري والتطبيقي، والخدمة العامة.
ولكي تحقق الجامعة هذه الغايات أو تلك الأهداف فإن عليها تقديم تعليم متميز يتواءم مع الثوابت الثقافية لهذه الأمة والتقدم الحضاري الذي تشهده البشرية.
هذا النوع من التعليم المتميز يستدعي بطبيعة الحال تأهيل الكوادر العلمية للتخصصات العلمية المختلفة في الجامعة وتوفير الإمكانيات الأكاديمية والوسائل التعليمية ليتواءم هذا التعليم المتميز مع التعليم الجامعي المعاصر.
كما يتطلب الاهتمام بالخطط الدراسية والمقررات الجامعية على كل المستويات والتطوير المستمر للمستوى النوعي لها من خلال المتابعة الجادة لجديد المقررات العلمية الجامعية وأساليب تعليمها.
كما يتطلب توفير بيئة تعليمية وثقافية تخدم احتياجات الطلاب العلمية والتربوية والثقافية بما في ذلك توفير المقومات والإمكانيات والتجهيزات المرافقة والمكتبات وقواعد البيانات ووسائل الاتصال المعلوماتي الحديثة واللازمة لعملية التدريس والبحث العلمي من أجل تنمية مهارات الطلاب وقدراتهم الذاتية وتفاعلهم الإيجابي مع البيئة المحلية والخارجية.
أما الغاية الثانية للجامعة فتتمثل في إجراء وتطوير الأبحاث النظرية والتطبيقية المتميزة والمرتبطة قدر الإمكان باحتياجات المجتمع والمؤسسات الإنتاجية لتكون منارة لنشر وابتكار المعارف ودعم التكوين المهاري والمهني والأخلاقي لمنسوبي الجامعة، وتوظيف ذلك لخدمة المجتمع في عصر تتطور فيه المعارف والتقنيات والوسائل وتزداد فيه التحديات أمام المجتمعات النامية لكي تحقق طموحاتها.
ولا شك أن من أهم دعائم تحقيق ذلك التوسع وفق خطط مدروسة في إنشاء برامج متنوعة للدراسات العليا للإسهام في إثراء المعرفة وتأهيل الكفاءات العلمية والمهنية المتخصصة لمسايرة التقدم السريع للعلوم والتقنية وللمساهمة في نشر العلم والمعرفة ومن ثم معالجة قضايا المجتمع المختلفة.
كما أن توفير بيئة بحثية مناسبة يتطلب تسهيل عقد الندوات والمؤتمرات وحلقات البحث والنشر العلمي الكفيلة بحفز جهود الباحثين وهممهم للارتقاء بمستوى نتاجهم العلمي.
يأتي بعد ذلك الإسهام الفاعل في خدمة المجتمع كواحد من أهداف الجامعة التي لا يمكن التقليل من أهميتها إذ الجامعة في إطار ريادتها وموقعها الهام في التركيبة العلمية والمعرفية ونشرهما ذات دور أكيد وهدف سامٍ يضيف عبئاً على إدارتها لمد جسور التواصل لخدمة البيئة المحيطة والثقافة العامة في عصر تتطور فيه المعارف والتقنيات والوسائل، وتزداد فيه التحديات الثقافية والحضارية امام المجتمع خاصة مثل مجتمعنا، مثل هذا الدور المنشود يفسر حالة الغبطة العامة والشعور بالامتنان رجاء أن يسهم ميلاد الجامعة وأخواتها بتحقيق طموحات المجتمع.هذا شكرنا وتقديرنا، وتلك آمالنا وتطلعاتنا، تمتد لأن تكون جامعتنا ليست نبضاً وانعكاساً لواقعنا الثقافي وتأخرنا الحضاري، بل قائداً ودليلاً نحو التنمية المنشودة والغد المشرق للأجيال الحاضرة والمقبلة، وفق الله الجميع، وسدد الخطى، وبارك في العلم والعمل.
|