طالعتنا وسائل الإعلام في السادس والعشرين من فبراير للعام 2003 م وهو أول حالة سجلت للعدو الجديد الذي أرعب العالم وما زال ما يسمى بالالتهاب الرئوي الحاد اللانمطي، والذي أصبح ومازال منذ ذلك التاريخ شاغل شغل العالم بأسره والمهيمن على وسائل الاعلام والأحاديث وأصبح بحق حديث المدينة في كل مكان وعلى كل المستويات، وبحلول الخامس عشر من مارس 2003 انتبه العالم إلى أنه خطر داهم وبداية صفحة جديدة من حرب الميكروبات على البشر تذكرنا بكارثة الطاعون في العشرينيات والايدز في الثمانينات، حيث سجلت منظمة الصحة العالمية في ذلك التاريخ حوالي 150 حالة اصابة مع أربع وفيات ولذا بدأ العالم يصحو على كارثة بيئية ميكروبية من جديد تجاوزت في أقل من شهرين الثمانية آلاف اصابة وأكثر من سبعمائة من الوفيات، والجميع من دول العالم المتقدمة والمتأخرة والمنكوبة وغير المتأثرة إلى الآن في سباق مع الزمن لايجاد أي حل وفك طلاسم ولوغرتيمات هذا المرض الذي يعتبر بحق العدو القادم من الشرق، حيث بدأ تسجيل أول الحالات في هانوى يفيتنام مع أنه يوجد تقرير سابق من مقاطعة جونج دونج الصينية من نوفمبر من عام 2002 من التهاب رئوي لا نمطي ولكن تم السيطرة عليها ، ثم بدأت تجتاح دول جنوب شرق آسيا وبعض دول الشرق والغرب إلى أن أصبح أكثر من وباء (Pandemic)).
ما هو ميكروب السارس؟
ميكروب السارس هو أحد أنواع الفيروسات الذي ينتمي إلى مجموعة تسمى كورونا فيروس باللاتينية (تعني التاج) وهي مجموعة من الفيروسات المجهولة والتي كانت إلى ما قبل تاريخ 26 فبراير 2003 لا يلقى لها بال اللهم إلا أنها كانت تدرج على استحياء من ضمن مجموعات الفيروسات التي تسبب نزلات البرد والانفلونزا ويصنفها معظم العلماء أنها مجموعة تنتمي إلى عدوى الحيوانات أكثر من الانسان ولذا آخر التقارير التي وردت من علماء صينيين أن هذا المرض نقل من نوع من القطط يسمى الزباد البري وإلى الآن لم يتم وصف هذا الفيروس وصفاً دقيقاً أو معرفة أصله الا أنه ينتمي إلى مجموعة الكورونا. وتتميز هذه المجموعة بما فيها هذا الفيروس بالآتي:
- له القدرة على المعيشة في الجو الجاف إلى 3 ساعات
- يموت بالتعرض لضوء الشمس لاحتوائها على الأشعة الفوق بنفسجية.
- أسوأ صفاته أنه يتحور ويتحول بسرعة كبيرة ولذا يصعب عمل تطعيم أو طريقة مؤكدة للتشخيص لهذا الفيروس ويصعب على جهاز المناعة تكوين أجسام مضادة للحماية من العدوى.
وللأسف أن كل طفرة جديدة من هذا الفيروس يمكن أن تسبب وباء حتى لو لأخذ الشخص عدوى مسبقة بنفس الفيروس.
ويتوقع أن يكون هذا الوباء الحالي ما هو إلا طفرة متحولة من الفيروس القديم الحميد الذي كان لا يسبب أكثر من نزلة برد أو انفلونزا تمر مر الكرام .يصعب جداً عزله على مزارع حيوية حتى يتمكن من دراسته جيداً أو عمل تطعيم منه أو علاج وهذا هو صفة المجموعة ككل .
كيف يتم نقل العدوى بهذا الفيروس:
- طريقة العدوى الأكيدة هو نقل الفيروس مباشرة من الشخص المعدى إلى الشخص السليم من خلال الاحتكاك المباشر أو العناية بالنسبة للأطباء والممرضات عن طريق افرازات الجهاز التنفسي نتيجة العطس أو الكحة أو رذاذ الكلام.
- والطريقة الأخرى هو نقل الفيروس بطريق غير مباشر من خلال ملامسة مخلفات المريض ولأن الفيروس له القدرة على العيش حوالي 3 ساعات في الهواء أو على الأسطح أو حاجيات المريض ويمكنه التبلور والطفو في الهواء عن طريق ذرات التراب وهذه الطريقة غير مؤكدة إلى الآن ولكن الاحتياط واجب.
- النقل عن طريق افرازات المريض الأخرى مثل البراز أو العرق والدموع مذكورة ولكنها لم تثبت.
ولحسن الحظ أن الفيروس ذا قدرة منخفضة على العدوى بالرغم من أنه من الميكروبات الضاربة ولذا يحتاج إلى جرعة عدوى كبيرة واحتكاك مباشر لمدة طويلة (ساعات ) ولحسن الحظ أيضاً وهذه رحمة من الله مع الابتلاء أن هذا الفيروس له صفة نادرة وهي أنه يفقد الكثير من قدرته على احداث المرض عندما ينتقل من مريض إلى آخر ولذا تكون المضاعفات في الشخص الثاني أقل بكثير من الشخص الأول وتقل القدرة بالتدريج وهذه ظاهرة تسمى ظاهرة الأضعاف في الفيروسات (Attenuation Phenomenon )).
الوقاية خير من العلاج أو هي كل العلاج:
الوقاية واجبة على كل المسافرين من أو إلى الأماكن والبلاد الموبوءة مثل دول جنوب شرق آسيا. وهي واجبة أيضاً على المخالطين من الأهل والأقرباء أو الفريق الطبي الذين يخالطون أو يعتنون بالشخص الذي تتوفر فيه صفات الشك أنه مصاب وهي تبعاً لتوصيات منظمة الصحة العالمية ثلاث أو أربع خصائص:
- حمى أكثر من 38 درجة مئوية.
- واحدة أو أكثر من علامات الالتهاب التنفسي وهي الكحة وضيق النفس.
- مخالطة مريض أثبت أنه أو توقع أنه يحمل الفيروس أو مصاب به.
- قادم حديثاً ( 3 - 10 أيام مدة الحضانة ) من مناطق أو بلدان فيها حالات مؤكدة من السارس .والواجب اثباته في مثل هذه الحالات:
1- أولاً: عزل المريض في مكان خاص بالعزل يستحب أن تكون غرفة بها Negative Pressure)) مغلقة الأبواب والتكييف يكون خاصاً بهذه الغرفة ولا يكون تكييفاً مركزياً واذا لم يتوفر يجب فتح الشبابيك للتهوية الجيدة.
2- جميع الأدوات التي يستخدمها المريض تكون استخداماً للمرة الواحدة وتكون خاصة به فقط.
3- ترك المريض يكون في أضيق الحدود ويجب ارتداؤه الماسكات الخاصة به ولبس الماسكات أيضاً لكل المخالطين له واذا تأكد أنه يحمل الفيروس يجب لبس ماسكات خاصة تبعاً لتوصية منظمة الصحة العالمية ( N.95 ).
4- غسل الأيدي باستمرار من أهم عوامل الوقاية ولبس القفازات الجراحية ليست كافية.
5- الاحتياطات اللازمة لنقل أو التعامل مع أي عينة من المريض.
ما هي النصائح العامة للمسافرين على خطوط الطيران والعاملين بها؟
من المؤكد أن نقل العدوى من مصادرها من أقصى الشرق أو الغرب إلى الأماكن أو الدول الأخرى يأتي بالمقام الأول عن طريق المسافرين من أو إلى هذه البلدان ولذا يجب تثقيف المسافرين والعاملين على خطوط الطيران تثقيفاً جيداً.
يجب تثقيف المسافرين عن طريق شرح وبيان الأعراض والعلامات لهذا المرض وماذا يجب عليهم فعله اذا توفر أحد هذه الأعراض عند أحدهم وهي الأعراض الدارجة مثل الحمى والسعال وضيق النفس أو الأعراض الغير الدراجة مثل الصداع وآلام العضلات وفقدان الشهية أو غثيان وعدم التركيز وطفح جلدي أحيانا أو اسهال أبسط شيء أن يعرض على طبيب للاطمئنان والمتابعة ويدلي بالحقيقة عن رحلة السفر بكل تفاصيلها حتى يتسنى النصيحة والمتابعة الجيدة ولا يسمح له بالسفر الا بعد استشارة الجهات الطبية المعنية.
وبالنسبة لموظفي شركات الطيران عند ملاحظة أي من الأعراض السابقة على أي من المسافرين يجب أن يكونوا حذرين إلى مطار الوصول ويحول المسافر مباشرة إلى السلطات الطبية للتقييم والمتابعة لأخذ النصيحة والاطمئنان بسلامة الراكب والموظفين أيضاً.
التشخيص المخبري للمرض :
الى الآن هناك أبحاث جارية في عدد من الدول منها الصين وألمانيا وأمريكا للوصول إلى طريقة فعالة للتشخيص عن طريق الأجسام المضادة المستخلصة من الحيوانات وجار تجريبها في عدد من الدول لمعرفة جدواها للتشخيص المبكر والدقيق .
وندعو الله التوفيق حتى يتسنى محاصرة وسرعة تشخيص وعزل هذا المرض الذي أزعج العالم طيلة الشهور الماضية.
* استشاري الميكروبولوجى والمناعة ورئيس قسم المختبر بمستشفى
|