في مقال نشرته الجزيرة في عددها 11250 أشرت إلى بعض الأمور التي يحسن أن يوليها السائح اهتمامه ووعدت باستكمال الحديث عن عنصر هام وركيزة قوية في جانب السياحة ذلكم هو المال عصب الحياة وزينتها. فالملاحظ أن الغالبية من المسافرين يغلب عليهم طابع العجلة دون ترتيب جيد واستعداد مدروس وكأن السفر غاية في حد ذاته متناسين أهمية حساب المصروفات بحيث لا يفاجأ السائح بوضع غير محسوب ينتج عنه تأثيرات غير محمودة فالقضية لا تتوقف على تذاكر السفر أو وسيلة النقل لينطلق الشخص بعدها في تجوال دائم بين فندق وآخر ومدينة ومدينة فما يشعر إلا وقد استنفد ما معه من نقود وهذا يقودنا إلى سؤال إن كان هؤلاء البعض يتمتعون بإحساس وطني وفهم يرقى لمستوى السياحة والعصر ومتطلباته. إن عدم تقدير المال وصرفه بعقلانية بعيداً عن التبذير أمر بالغ الأهمية فالناس تتحدث عن تصرفات من هذا النوع تصدر من بعض السياح خارج حدود الوطن فساعة يستقر بهم المقام في الفندق أو المطعم أو المقهى لا يكف عن الطلبات ذات الكلفة العالية مع أن الفنادق وأماكن السياحة عموما اسعارها تكون مضاعفة والسائح السعودي ينظر إليه وكأنه يملك ملايين الدولارات، والسبب أن تصرفاتنا توحي بغير واقعنا فالمبلغ الذي يحمله أغلب من يذهب إلى هناك هو بضعة آلاف استدانها على حساب راتبه الشهري والذي لو تعقل لجعل سياحته داخل وطنه، أما وقد راح التحليق بعيداً كان حقا عليه ان يستخدم العقل فلا ينفق بسرف ولايبزر المال تحت غطاء الكرم الزائف فالسياحة لا تعني كثرة الانفاق بقدر ما هي البحث عن الفائدة والترويح عن النفس وليس من هذا قطعا الجلوس في ردهات الفنادق نهارا والملاهي ليلا فهؤلاء سياحتهم أشبه بالغثاء كونهم ينفقون فيما لا فائدة فيه وهناك وجوه تحيط بهم. إما عابسة لدرجة الغليان أو منفرجة 180 درجة، الأولى لا يعلم دوافعها إلا الله والأخرى مستفيدة من خدمة هؤلاء الحاتميين الذين لا يلبث الواحد منهم سوى ليال معدودة حتى يمد يده لزمل آخر يطلب سلعة جديدة أو أن يتصل بأحد أفراد عائلته معبرا عن أسفه وعن حاجته لمبلغ من المال تحت أعذار واهية مع أنه وحده الذي أخلى محفظته مما جعله يستنجد ويلح في سرعة ارسال المبلغ المطلوب فأين العقل والى متى نظل بهذه الكيفية وأية سياحة هذه التي تأخذ منا النهار كله أو جله في بيات لا أعرف له تسمية والليل نقضيه بين المقاهي والملاهي ومحلات الوجبات طلبات متعددة من المأكولات والمشروبات ربما ترك بعضها دون أن تمسه الأيدي.. والثمن يدفع كاملا وأن بقي من الفئات الورقية ما يعادل خمسة ريالات أو تزيد قليلا تذهب اكرامية وكأن همنا في الغربة البحث عن محلات اللهو ومحلات بيع الوجبات وليست السياحة المتدثرة بسمو الهدف أجل ليتنا نضبط تصرفاتنا بضابط العقل ونبعد عن المظاهر الخادعة فلا نخرج عن طبيعتنا الحقة وأن تكون سياحتنا متسمة بالانضباط والانفاق المتوازن فلا ضرر ولا ضرار، مع توخي الحذر فيما يصدر عنا، فالسائح يمثل بلاده فانظر ماذا أنت محذيها.
عبدالله بن عبدالرحمن الغيهب
|