* بغداد - كيفين بيجوس:
كشف إطلاق المقاومة العراقية لصاروخ أرض جو على طائرة نقل أمريكية طراز سي 130 أثناء هبوطها في مطار بغداد عن أسوأ سيناريو يمكن أن يواجهه الجنود الأمريكيون في العراق، فعلى الرغم من فشل الصاروخ في إصابة هدفه إلا أن المحاولة تشير إلى ان مستوى المخاطر التي تهدد الجنود الأمريكيين تفوق مجرد تفجير سيارة أو إطلاق الرصاص على أحد الجنود الأمر الذي يؤدي إلى مقتل أعداد محدودة جدا من القوات الأمريكية التي احتلت صدر اهتمامات وسائل الإعلام خلال الأسابيع الأخيرة.
والأمر الجيد في الموقف الحالي هو أنه لو كان أنصار الرئيس المخلوع صدام حسين وحزب البعث كبيرا لكانت الخسائر في صفوف القوات الأمريكية بالعشرات وليس فردا أو فردين يوميا، وحتى عمليات القنص التي يقوم العراقيون من شوارع بغداد المهدمة تبدو عمليات مؤمنة يصعب على القوات الأمريكية تتبع القائمين بها ولكنها في الوقت نفسه بسيطة وتشير إلى ان جماعات المقاومة العراقية الحقيقية مازالت صغيرة جدا.ولكن المحاربين الأمريكيين القدماء يتساءلون عن موقف الرأي العام الأمريكي إذا ما تمكن العراقيون من تنفيذ عملية تؤدي إلى مقتل عشرات أو مئات الجنود الأمريكيين دفعة واحدة.
ويقول هؤلاء المحاربون ان هذه العملية يمكن أن تأخذ صورة تفجير سيارات أو إطلاق قذائف الهاون على مقار قيادة قوات الاحتلال في بغداد بالإضافة إلى نصب الأكمنة لقوافل الإمداد الأمريكية على طول الطريق من حدود الكويت وحتى بغداد أو تسلل بعض من أفراد المقاومة العراقية بين أكثر من 7500 عراقي يعملون في مقار قيادة القوات الأمريكية.
وإذا كان 9 ،99 في المائة من هؤلاء العراقيين أصدقاء لأمريكا وموثوق بهم فإنه يظل هناك بضعة أشخاص تقريبا يمكن أن يشكلوا طابوراً خامساً يقوم بجمع المعلومات المخابراتية من أجل التخطيط لهجمات مستقبلية من داخل أكثر أماكن قوات الاحتلال حساسية.
وبالطبع فإنه مع وجود حوالي 150 ألف جندي أمريكي في العراق فإن المقاومة العراقية لن تتعب كثيرا في الحصول على هدف مناسب لعملية كبيرة تقتل عشرات وربما مئات الأمريكيين.
وفي إشارة إلى حجم التهديد الكبير الذي تواجهه القوات الأمريكية أكد متحدث مسؤول أمريكي في هذه القوات الأسبوع الماضي نبأ العثور على أكثر من أربعة أطنان من المتفجرات في قلب العاصمة العراقية بغداد.
وقد اكتشفت القوات الأمريكية المتفجرات في مخبأ في جنوب غرب بغداد بعد وصول معلومات إليها عن طريق بعض العراقيين على حد رواية المسؤول العسكري الأمريكي الذي رفض ذكر اسمه.
وكان قائد القيادة المركزية الأمريكية التي تقود قوات الاحتلال في العراق جون أبو زيد قد ذكر بأن القوات الأمريكية تواجه حرب عصابات حقيقية في العراق.
وهو ما كان كبار المسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» وعلى رأسهم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ينفيه باستمرار، وهناك حديث داخل قوات الاحتلال الأمريكي عن وقف بعض المترجمين العراقيين عن العمل بسبب الاشتباه في وجود علاقة لهم مع المخابرات الإيرانية.
كما تراجع عن العمل عدد كبير من المترجمين المستعدين للتعاون مع قوات الاحتلال ولكنهم يخشون على عائلاتهم من المقاومة العراقية وبخاصة بعد «قتل قائم مقام» مدينة الحديثة العراقية الذي كان يتعاون مع قوات الاحتلال.
طريق الموت
ويشير المحللون إلى أن الرئيس بوش يتجنب اتخاذ القرار الصعب من الناحية السياسية بنشر ما يتراوح بين 30 و40 ألف جندي إضافي لتأمين الطرق الرئيسية التي تربط بين بغداد وعمان بالأردن وكذلك طريق مطار بغداد الذي أصبح طريق الموت بالنسبة للقوات الأمريكية.ويقول هؤلاء المحللون إن إدارة بوش تحاول أن تبعث للشعب الأمريكي برسالة تقول «ثقوا بنا فإن كل شيء تحت السيطرة» ولكن هذا يثير تساؤل الكثير من الجنود الأمريكيين في العراق حول ما إذا كان المسؤولون في إدارة بوش يفهمون فعلا حقيقة الموقف في العراق.
يقول كينث آلارد خبير عمليات حفظ السلام في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن إن إدارة بوش لا تفهم الموقف في العراق، وأضاف أن القوات الأمريكية في العراق غير كافية في هذه المرحلة من الحرب.
وأضاف آلارد الذي خدم في القوات الأمريكية في البوسنة خلال حرب البلقان في تسعينيات القرن الماضي إن الديموقراطيين يزيدون من صعوبة موقف إدارة بوش من خلال التركيز على فضيحة أكاذيب بوش بشأن المحاولات العراقية المزعومة للحصول على يورانيوم من النيجر.
ويقول إنه يجب التركيز على محاولة الانتصار في الحرب الآن وبصورة نهائية وإعادة القوات الأمريكية إلى أمريكا ثم البدء مناقشة أي شيء آخر، وعلى الرغم من أن بعض الجنود الأمريكيين مازالوا يؤمنون بالمهمة التي يقومون بها في العراق فإن الكثيرين منهم يريدون العودة إلى بيوتهم في أقرب وقت.والحقيقة أن الموقف في العراق مازال يشكل مأزقا للقوات الأمريكية، ويكفي أن تنظر إلى طريق مطار بغداد الذي يربط بين المطار وبين قلب العاصمة العراقية فعلى الرغم من أن هذا الطريق لا يزيد عن 25 ميلا وهي تقريبا المسافة التي تربط بين مطار رونالدر ريجان الدولي وبين العاصمة الأمريكية واشنطن فإن القوات الأمريكية مازالت عاجزة عن تأمين هذا الطريق حتى الآن بعد مرور أكثر من شهرين على انتهاء المعارك الرئيسية في العراق.
ولعل أكثر ما يعقد مهمة الجنود الأمريكيين في العراق هو المزيج بين الشعور بالإحباط بسبب تمديد فترة وجودهم في العراق لأجل غير مسمى وبين الشعور بأنهم يقومون الآن بمهمة غير مستعدين لها.
فجنود الحرس الوطني الأمريكي لولاية فلوريدا يتولون حاليا تأمين مقار قيادة قوات الاحتلال، وقد انتقد عدد من جنود الفرقة الثالثة الأمريكية في العراق وزير الدفاع دونالد رامسفيلد علانية من خلال برنامج صباح الخير يا أمريكا.
وقال أحد جنود وحدة الحرس الوطني: إننا ننجو من ذئب لنقع أمام ذئب آخر، ويضيف أن وحدته خاضت أشرس المعارك في الأيام الأولى للحرب على الحدود بين العراق والكويت في حين أنه لم يتم تدريبهم على حروب الصحراء من قبل، والآن فهذه القوات مطالبة بتأمين المدن العراقية وهي ليست مهمة القوات المقاتلة ولكنها وظيفة الشرطة العسكرية ولكن عدد أفراد الشرطة العسكرية غير كاف للقيام بهذه المهمة.
ويضيف الجندي الأمريكي قائلاً إن المسألة ليست مجرد وضع قوات على الأرض ولكن المهم أن يتم وضع القوات المناسبة على هذه الأرض وهو ما لا يحدث الآن، ويقول إن القوات الأمريكية تحتاج إلى المزيد من ضباط المهندسين العسكريين والشؤون الإدارية ووحدات الشرطة العسكرية.
ويعود كينث آلارد ليقول إنه على الرغم من بقاء القوات الأمريكية في العراق لسنوات قادمة فإنه لا يبدو أن أحدا في واشنطن حاول أن يعرف الاحتياجات الفعلية لهذه القوات حتى تستمر في احتلال العراق.
ويضيف قائلا : إذا استمر وجود هذه القوات بهذا العدد المحدود الذي لا يسمح بنزول هؤلاء الجنود في إجازات إلى أمريكا على أقل تقدير فإن الحالة المعنوية لهذه القوات سوف تنهار خلال الشهور القادمة وبخاصة عندما يبدأ موسم الأعياد والإجازات عندما يجد الجنود الأمريكيون أنفسهم بعيدين عن عائلاتهم في هذه اللحظات.
* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» - خاص ب«الجزيرة»
|