سررت كثيراً كما سر غيري من الانجازات المشرفة التي قام بها رجال الأمن في القبض على المشتبه بهم ممن لهم دور مباشر أو غير مباشر بالتفجيرات الآثمة في الرياض في الحادي عشر من ربيع الأول هذا العام. ووجه الاعجاب بما حققه مسؤولو الأمن هو في السرعة والدقة في الوصول الى هؤلاء المخربين. وتوالى هذه الانجازات وبسرعة. حتى ان الانسان ليعجب بقدرة رجال الأمن الى الوصول الى هذه العناصر المغرر بها في أماكن غير متوقعة. مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة وفي الصحاري وفي الاستراحات واماكن متباعدة، وخاصة ان المملكة بلد مترامي الأطراف وله حدود مع الدول المجاورة بمئات الكيلومترات بعضها وعرة المسالك ومن السهل التسلل من خلالها وتهريب السلاح وأدوات التفجير والتدمير للمخربين. وقد اعاد رجال الأمن الطمأنينة الى أنفس السعوديين القلقين من الوضع الأمني وما تحمله الأيام من أحداث متوقعة، ولكن والحمد لله يبدو ان هذه المخاوف بدأت تتبدد وقد وفقت وزارة الداخلية وعلى رأسها صاحب السمو الملكي الامير نايف بن عبد العزيز بايضاح الحقائق وما تم من عمل في مجال تتبع المشبوهين، وهذه دلالة واضحة على ما توليه الوزارة من اهتمام للمواطن السعودي واطلاعه على الحقائق والمعلومات المتوفرة أولاً بأول دون غموض او مواربة.
هذه المعلومات الموثقة والشفافية في عرضها تقضي على الاشاعة التي عادة ما تنتشر بين الناس في غياب الحقيقة، وقد بادرت الجهات الأمنية المسؤولة الى نشر الحقائق وبذلك لم يكن هناك مجال لاختلاق الاحداث، ان هذا الأسلوب الراقي في التعامل مع الظروف الاخيرة التي تبناها سمو وزير الداخلية وكشف استار الارهاب وأهله هو الذي يجب أن يسود في التعامل بين المسؤول والمواطن وبذا تبنى الثقة ولا يلتفت الى أي معلومة مصدرها غير معروف او غير مسؤول. انها أيام عصيبة تلك التي تلت التفجيرات وقد تعاملت معها وزارة الداخلية بكفاءة واقتدار. وعودة الأمن والاطمئنان للمواطن بالقاء القبض او القضاء على من كان السبب في التفجيرات هام جدا في إشاعة الطمأنينة في نفوس المواطنين والثقة في رجال الأمن. واعتقد ان ما تم من اجراءات أدت الى تضييق الخناق على كل من له دور من قريب او من بعيد بالأحداث بحيث ان كل من لديه معلومة عمن تسبب بهذا العمل المشين سيجد ان من واجبه ان يتوجه الى رجال الامن ويدلي بما لديه، وأقصد هنا من يعتقد بأن العناصر المخربة ربما لها أهداف نبيلة، ولكنه رأى بأم عينيه هول اعمال من وثق بصدق مقصدهم اصبح لديه قناعة تامة بأن قتل الأبرياء لا يمكن الا ان يكون عملا شريراً.
العمل المشرف لوزارة الداخلية ولسمو وزيرها الموفق - باذن الله - هو التأكيد على عدم خلط الامور وقطع الطريق على كل من يحاول الاصطياد بالماء العكر وتجيير ما حصل انه من نتاج التشدد في المجتمع السعودي بل ان بعضهم حاول الربط بين الأعمال الارهابية وما تقوم به هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولكن سموه - حفظه الله - فوت الفرصة على هؤلاء وأوضح ان ما حصل من أعمال اجرامية ليس له علاقة بالانشطة الاسلامية المشروعة وهذا توجه صحيح، لأن التركيز يجب ان يكون على الاجرام ومن قام به لا على البحث عن كبش فداء ليس له صلة بالموضوع.
الأسلوب الحضاري الذي يتبعه رجال الأمن عند نقاط التفتيش هو محل الاعجاب والتقدير بما وصل اليه ابناء هذا الوطن المنوط بهم حفظ الامن، واعتقد جازما أنهم في المقابل يقدرون تعاون المواطن معهم لأن للجميع هدف مشترك وهو تعقب عناصر الاجرام واستئصالهم.
المواقف العصيبة التي مر بها المواطنون بجميع فئاتهم بعد التفجيرات كانت فرصة مواتية لتكاتف الجميع وتقاربهم وازدياد وعي الجميع وارتفاع مستوى التفكير لديهم وعدم الاغترار بمن يلبس عباءة الاسلام لأغراض شريرة. ومن حسن الحظ ان هذا البلد هو موئل الاسلام وقبلة المسلمين والمواطنون ملتزمون بدين الله القويم فلذا يصعب التغرير بهم الا من فئة قليلة لا تلبث ان تتبين الحقيقة وتعود الى رشدها، اما الأغلبية فهم بحمد الله يعرفون الاسلام وتعاليمه السمحة وبعده عن التطرف والغلو وهو بعيد جدا عن الارهاب، وقد أردت في هذا المقال ان لا تفوتني فرصة الاشادة بالجهود المشكورة لرجال الأمن والانجاز المتميز وفي وقت قياسي فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
يبقى ان نقول ان التبريرات التي نسمعها ممن يرون ان التفجيرات عمل خاطىء ولكن.. نقول لهم ليس هناك أي سبب يمكن ان يؤدي الى هذا العمل المشين: قالوا مثلا ان البطالة لها دور كبير في شعور الشباب باليأس ومن ثم الاتجاه الى التخريب كأسلوب للفت الأنظار والتعبير عن عدم الرضا، لكن الواقع يكذب ذلك فبعض من قام بارتكاب اعمال التخريب الآثمة اما صغار في السن لم ينهوا الثانوية ولم يفكروا في البحث عن عمل او موظفون على رأس العمل أغواهم الشيطان وأعوانه بترك أعمالهم وتعريض اهلهم وذويهم للتشرد أو الحاجة للآخرين فضلا عن الآلام النفسية والضيق الشديد لأسرهم. سمعنا بتبريرات قيلت بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م وهي أن ذلك رد على مواقف أمريكا المؤيدة تأييدا أعمى لاسرائيل وقلنا ربما وان كان قتل المدنيين مهما كانت ملتهم غير مبرر مع ان بعض ضحايا نيويورك هم من المسلمين، ولكن حتى لو سلمنا جدلا بأن هذا كان دافع من قام بالتفجيرات هناك، هل يستطيع احد ان يبرر ما حدث في الرياض؟
هل ينكر أحد موقف المملكة الدائم والثابت من القضية الفلسطينية؟ وهل هذا هو جزاء دولة تضع حقوق الفلسطينيين ورفع الظلم والمعاناة عنهم في أولى اهتماماتها وهي دفعت ولا تزال تدفع ألوف الملايين لهم، وغيرهم يكتفي بالتأييد الاعلامي فقط. اما المغرضون في الاعلام الغربي وللأسف معهم كثير من فرسان الفضائيات فوجدوها فرصة للوم المناهج التعليمية، ولكن لا يستطيع أحدهم ليحدد بدقة اماكن وجود التحريض على أعمال العنف والاجرام في مناهج التعليم، كلنا درسنا هذه المناهج ولا نذكر موقفا يمكن ان يوحي لاحد بأن قتل الأبرياء وترويع الآمنين وتخريب الممتلكات يمكن ان يكون عملا مشروعا، بل نجد خلاف ذلك تماما الدعوة الى المحافظة على الدم والمال والعرض والآيات الكريمة والأحاديث الشريفة في ذلك كثيرة ولا تحتاج الى تأكيد. التبرير الوحيد المنطقي للأحداث المؤسفة هو ان هناك أشرارا ملأ الحقد قلوبهم يلبسون عباءة الدين الاسلامي وهو منهم براء يستهدفون صغار السن ويغسلون ادمغتهم ويحسنون لهم القبح والشر ويقلبون الحق باطلا والباطل حقا ثم يدفعون بهم الى مهاوي الموت والدمار. والحل كما نعرف جميعا هو في المحافظة على هؤلاء الشباب صغار السن ومتابعتهم وعدم تركهم لمن يعبث بعقولهم وتحصين الشباب والعمل الجاد على شرح مفاهيم الإسلام لهم وانه لا يقر قتلا ولا تدميرا وان خير الناس أنفعهم للناس ومهمة الانسان في هذا الحياة هو العمارة والبناء والتعليم وحب الآخرين وحسن التعامل والبعد عن مواطن الشر والأشرار.حفظ الله بلادنا من كل سوء ووفق الله المسؤولين لتتبع عناصر الشر والايقاع بهم واقتلاع الارهاب من جذوره ورد كيد الكائدين.والله من وراء القصد.
(*) عميد الدراسات العليا بجامعة الملك سعود
أخطاءُ وحُكامٌٌ
سعد بن محمد الموينع
|