المتأمل في سيرة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة عسير، والمدير العام لمؤسسة الملك فيصل الخيرية، ورئيس مؤسسة الفكر العربي، وقبل ذلك كله، رجل السياسة، والإدارة، والأدب، والسياحة، والتنمية، والرياضة، والفن التشكيلي، يلاحظ أنها عامرة بإنجازات مذهلة جعلت سموه محط الأنظار على مستوى العالم بأسره من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، وجعلت الجميع يتسابق إلى تكريمه، وتسجيل أدواره المتعددة والمتشعبة في خدمة الإنسانية، والاعتراف ببصماته الخيّرة العظيمة، وقد نجح المكرِّمون في ابتكار وسائل متعددة في تكريم خالد الفيصل.
واليوم نحن على موعد مع ابتكار نوع جديد وفريد من التكريم، نوع لا سابقة له، إنه تكريم يجوب الفضاء، ويتخطى جاذبية الأرض، وينطلق نحو كوكب آخر في ملكوت الله سبحانه وتعالى ، كوكب المريخ.
أما صاحبة هذا السبق في التكريم فهي وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا»، التي أصدرت في الرابع عشر من نوفمبر 2002م شهادة مشاركة مقدمة إلى (خالد الفيصل)، تسجل له فيها الشكر على مشاركته بعثة روفر 2003م الاستكشافية إلى المريخ، للبحث عن دليل جيولوجي لوجود ماء على سطح المريخ سابقاً، ومن ثم اكتشاف العجائب الكثيرة لعالمنا الكوني وفهمها.
ويتمثل ذلك التكريم في إدراج اسم (خالد الفيصل) بوصفه واحداً من رموز العالم في مجال خدمة البشرية والأعمال الإنسانية، ومعه عدد من أسماء الأعلام في مختلف المجالات إلى «قرص ضوئي مدمج» يرافق البعثة على المركبة الفضائية (أوبورتيونيتي) في رحلتها العلمية، ليكون وعاء لتسجيل أبحاثهم واكتشافاتهم.
الجدير بالذكر هنا أن انتقاء الأسماء لإدراجها في رحلات فضائية كهذه يأتي بترشيح أشخاص تثق فيهم «ناسا» باعتبار مكانتهم العلمية البارزة، وقد قوبل ترشيح اسم (خالد الفيصل) بالتأييد والثناء والترحيب من قبل «ناسا» التي سجلت الامتنان لصاحب هذا الترشيح، وهو العالم المسلم العربي المصري المعروف بمكانته العلمية في مجال الفضاء الدكتور فاروق الباز، الذي أشار في أحد تصريحاته لجريدة الوطن السعودية إلى أن الأسماء العربية لم يسبق وأن أطلقت على رحلات سابقة، وإنما هو قام بإضافتها على تضاريس لسطح القمر، وأضاف أن من الأسماء التي أطلقت على تضاريس سطح المريخ كان اسم (القاهرة) ونوّه بأن اسم (خالد الفيصل) سيكون من الأسماء التي أضافها لتهبط على المريخ تقديراً لعمله القيم في نشر العلم والمعرفة في العالم العربي، ودعمه للعمل الوطني والعلمي والفكري والديني في البلاد العربية، مشيراً في ذلك إلى واحدة من إفرازات فكر خالد الفيصل وهي «مؤسسة الفكر العربي». نعم «مؤسسة الفكر العربي» تمثل واحداً من إنجازات الهمّ الإنساني الكبير الذي لازم خالد الفيصل ومازال يلازمه في صحوه ونومه، وهو يختص بالهمّ العربي، ولكن أهذا كل شيء؟ أم أن هنالك هموماً أخرى حملها خالد الفيصل وعمل من أجلها؟
أختصر الإجابة بلا النافية على التساؤل الأول، أما التساؤل الثاني، فأجيب بنعم هنالك هموم أخرى كثيرة حملها خالد الفيصل وتأصلت في قلبه وفكره، وتوعد لها خيراً، فأبدع في الإنجاز، ووضع بصمات خلّدها له التاريخ بشعاع من نور، ويسعدني أن أكون بمعية القارئ الكريم في استعراض موجز وسريع لبعض هموم خالد الفيصل وإفرازات فكره، وذلك من خلال موقعي الذي شرفت به بوصفي مديراً لمكتب سموه بالرياض منذ ما يقرب من الثلاثة عقود.
أبدأ بالهمّ الوطني الذي عاشه (خالد الفيصل) منذ بدايات شبابه، وعمل من أجله، وأنجز، مستمداً العون من الله أولاً، ثم من أولي الأمر والفضل الذين شرفوه بثقتهم السامية، ففي مجال الشباب والرياضة، ها هما ملعبا الرياض وجدة لكرة القدم بصمتان خالدتان رسمهما خالد الفيصل بين عامي 1387هـ و 1391هـ إبّان توليه إدارة رعاية الشباب التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية وقتئذ.
وفي هذا المجال تجاوز خالد الفيصل حدود الوطن فحمل همّاً خليجياً وعمل له وأنجز، حينما تبنى فكرة دورة الخليج التي بدأت عام 1390هـ ونال عن استحقاق وسام الريادة ليوم الشباب من المؤتمر الخليجي الرابع لإدارة الموارد البشرية.
وواصل خالد الفيصل معايشة هذا الهم حينما عُين أميراً لمنطقة عسير في شهر صفر 1391هـ فعمل وأنجز، والنتيجة أن المنطقة كلها وفي مدة قصيرة جداً قياساً بعمر الزمن شهدت قفزات تنموية هائلة شملت كل مناحي الحياة، لتصبح من أهم المناطق السياحية ليس في السعودية وحسب بل في الخليج بأسره.
وتشعب الهمّ الوطني في نفس خالد الفيصل إلى العلوم والثقافات، وعمل، وأنجز، فكان صاحب أول منتدى أدبي ثقافي يعقد بالرياض إبّان عمله برعاية الشباب، ثم نجده يواصل معايشة هذا الهمّ أثناء توليه إمارة منطقة عسير، فيخصص أيام الاسبوع للقاءات العلمية والثقافية والفكرية، يستقبل فيها العلماء والمشايخ ورجال الفكر والثقافة والأدب، ويتيح المجال لتبادل الآراء والأفكار بشأن كل ما هو جديد ومفيد.
وفي إطار معايشته لهمّ الإبداع تتزاحم الإنجازات ففي عام 1418هـ أنشأ مسرحاً حديثاً لمختلف النشاطات الثقافية والفنية يتسع لحوالي 3000 شخص وفي عام 1393هـ أسس جائزة تحمل اسم معشوقته (أبها) وقيمتها مليون ريال سعودي بتمويل شخصي منه وتمنح سنوياً للمتفوقين في مجالات الثقافة والتعليم العام والجامعي والخدمة الوطنية.
ماذا أفعل؟ لقد أطلت، ومساحة النشر لها حدود، ولم أستعرض (بعد) الكثير من هموم خالد الفيصل ولا سيما هاجسه الأكبر المتمثل في الهمّ الإسلامي الذي عاشه، وعمل من أجله، وأنجز، ومازال يعمل ويُنجز، ولا مجال هنا مطلقاً لحصر إفرازات فكره التي نُشرت في عدد كبير من الأبحاث والتقارير والكتب، وذلك من خلال توليه الإدارة العامة لمؤسسة الملك فيصل الخيرية، وإنابته لرئاسة لجنة البرامج والإنفاق الخيري، ورئاسته لهيئة جائزة الملك فيصل العالمية في مجالاتها الإسلامية والإنسانية، خدمة الإسلام والدراسات الإسلامية، والأدب والدراسات اللغوية، والطب، والعلوم.
ليتني اختصرت الإجابة بنعم على التساؤل الثاني، واكتفيت، لأنني سأتوقف عن سرد الإنجازات دون أن أفي الرجل حقه، لأعود إلى التكريم الذي ابتكرته «ناسا» والذي أخذ نصيباً طيباً من التفاعل من قبل محبي (خالد الفيصل) الذين سارعوا إلى التعبير عن سعادتهم بهذا النوع من التكريم، وانطلقوا فرادى وجماعات في توجيه التهاني لخالد الفيصل، وها أنذا أنضم إليهم، وفي الوقت نفسه اعتذر منهم، إذ إنني لن أسجل التهنئة لخالد الفيصل بل سأفعل كما فعلت «ناسا» فأوجه له الشكر على حسن تقبله لهذا التكريم، وأما التهنئة فأزفها أولاً إلى الدكتور فاروق الباز الذي وُفّق في الترشيح، ثم إلى «ناسا» ولبعثتها الاستكشافية، ولمركبتها الفضائية ولذلك القرص الضوئي المدمج، ولكوكب المريخ، فجميعهم تزيّن باسم خالد الفيصل.
|