Wednesday 23rd july,2003 11255العدد الاربعاء 23 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

«وعلامات» «وعلامات»
كنت إلى التكسب ذهبت.!
عبدالفتاح أبومدين

* في كتاب الحيوان للجاحظ، قال الجاحظ: «قلت لأبي الحسن الأخفش، أنت أعلم الناس بالنحو، فلِمَ لاتجعل كتبك مفهومة، وما بالنا نفهم بعضها ولانفهم أكثرها!؟ فأجاب: أنا رجل لم أضع كتبي هذه لله، وليست هي من كتب الدين، ولو وضعتها هذا الوضع الذي تدعوني إليه، قلَّت حاجتهم إليَّ فيها.. وأنا قد كسبت في هذا التدبير، إذ كنت إلى التكسب ذهبت».
* تذكرت هذا القول، الذي مرّ عليه نحو اثني عشر قرنا، وأنا أقرأ تلك الأسئلة التعجيزية، الصادرة عن جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، لطلبة وطالبات سنة أولى - انتساب-.
* وتذكرت كذلك الجهود الكبيرة لذلك العالم «إلياس انطون إلياس»، الذي قدم تلك المعجمات للغتين العربية والانجليزية، التي أفادت طالبي العلم إلى اليوم، والتي أثنى عليها مقدروها من أعلام العربية والمهتمين بالترجمة ونفع الناس بها.. ودفعه اهتمامه بالمجاهدة في خدمة المعرفة، إلى إنشاء المطبعة العصرية، التي أصبحت ملتقى الدارسين والمؤلفين والكتّاب والأدباء.!
* علق الاستاذ انطون إلياس على رأي الاخفش بقوله: إن هذا كان رأي أكثر قدماء العلماء، وذلك للاستئثار بأسرار العلوم مهما كان نوعها، إما خوفاً عليها من أن تبتذل لو عرفها عامة الناس وتداولتها الأيدي وهي لاتحيط بدقائقها، فتسيء فهمها وهي لا تحسن استعمالها كما يدّعون، وإما لأنهم كانوا يتعمدون تضليل الناس، خوفاً على مكانتهم وهيبتهم وسلطانهم من الامتهان والزوال، أو غشيهم من الانقطاع إذا عرف عامة الناس مايعرفون.. ويجنح الاستاذ إلياس إلى القول: الآن قد تغيرت الأمور، وأصبح العلم ملكاً مشاعاً، يستوي جميع الناس في حق النفع به، وقضت أسباب العمران ان يسهل طريقه على الطالبين بتقريبه إلى الافهام بكل الوسائل الممكنة.!
* وتعرج به هذه الوقفة، على ذلك الركام من الأسئلة المعقدة، لطالبات الانتساب، لاقتطف منها نماذج، علّ المسؤولين في جامعة الملك عبدالعزيز، وفي مقدمتهم معالي الأخ الدكتور أسامة طيب مدير الجامعة، يعيرون شيئاً من مسؤولياتهم، إلى تدارك هذه الأنماط التعجيزية، التي يجنح إليها بعض المعلمين والمعلمات، ولن أقول إنها جهل، ولكن من ركام دأبوا على صبه في أدمغة الطلاب والطالبات وما ذلك رسالة التعليم بعامة، ورسالة جامعة بخاصة، التي تعلن أنها تعمل نحو الإفادة والنفع، بعيداً عن التعقيد والضرر، لأنهما معطلان.!
* معذرة! فقد ذكرتني أوراق أسئلة اللغة العربية، للعام الدراسي 1423-1424هـ، المثل الذي يردده اخواننا المصريون: «سمك، لبن، تمر هندي» فوريقات الأسئلة العشرة، كلها للغة العربية، بعض الصفحات، مكتوب عليها -انتساب- وبعضها مكتوب عليه -انتظام- ورأيت على بعض الصفحات هذه الكلمات: الفصل الدراسي الأول العام 1420هـ، ويبدو من ذلك أن عجلة الزمن تراجعت أربع سنوات دراسية، زائد فصل.!
* وليأذن لي معالي مدير الجامعة الدكتور أسامة طيب ان أعرض عليه وعلى مساعديه، عمادة كلية الآداب، شيئاً من العجب العجاب في أسئلة اللغة العربية، من ص«8»، بشيء من تراكمات الأسئلة المعجّزة، والأمل وطيد أن يصلح معاليه ما أفسد الدهر، أو مايجري، بعيداً عن المراجعة والرقابة، ونظل نتساءل أين المسؤولون في صرح علمي، يحمل اسم باني ومؤسس الكيان الكبير الملك عبدالعزيز رحمه الله ورطّب ثراه.!
نمط من الأسئلة الركامية، لطلبة وطالبات الانتساب - الغلابى - هي:
يقول عنترة:
يخبرك من شهد الوقيعة أنني
أغشى الوغى وأعف عند المغنم
سبعة أسئلة ميسرة عن هذا البيت أكبر تيسر، وهي في وسط الصفحة، وتبدأ:
(7)- عنترة من شعراء العصر -أ- العباسي ب- الجاهلي ج - الأندلسي.
(8) - الكاف في «يخبرك» ضمير - أ- رفع ب- نصب ج - جر.
(9)- «الوقيعة» -مفعول- أ- به ب- له ج - فيه.
(10) - كلمة «عند» - أ - حرف جر ب- ظرف ج - مفعول به.
(11)- النسب إلى «الوغى» - أ- الوغيّ ب - الويغي ج - الوغوي.
(12)- النسب إلى «الوقيعة»- أ- الوقعي ب - الواقعي ج -0 الوقيعي.
(13)- «المغنم» في القاموس المحيط في - أ- باب الميم - فصل الميم ب- باب الميم - فصل الغين ج- باب الغين- فصل الميم.
* ونجد من هذا النمط التراكمي المعقد والمعجز لطلبة، جاءوا من الثانوية العامة «خاليي الوفاض»، كما يقول المثل العربي.. لايستطيع أحد فتح القاموس المحيط، ولا مختار الصحاح.! ثم أين هو القاموس والمختار، لو افترضنا جدلا، أننا أمام نوابغ ونابغات، وهم ندرة.! أين المعاجم في قاعة - الامتحان-!؟
* رأيت في سؤال (17) كلمة - اشتكاء-، قال واضع الأسئلة- سلمت براجمه من الأوخاز-: تجدها في مختار الصحاح - أ- باب الهمزة ب- باب الواو ج - باب السين.
* أقول لهذا الاستاذ: اتق الله فيما تصنع، وقدّر حال هؤلاء المساكين، وأنت تقدم هذا التعجيز من الأسئلة! وأقول لعميد الكلية المختصة: اتقوا الله في أعمالكم، وأقول لمعالي مدير الجامعة: أرجوك ان ترقى بهذه الجامعة إلى المستوى الذي تستحق، فأنت مدرك للخلل العريض وتداعيات الاحباط، وأنت ياسيديٍ راعٍ، وأنت مسؤول عن رعيتك، أمام الله والدولة والضمير والتاريخ.. والله سبحانه لايضيع أجر من أحسن عملا.!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved