Wednesday 23rd july,2003 11255العدد الاربعاء 23 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الزهراني يدعو من خلال «ورقته» إلى الحوار المنهجي الزهراني يدعو من خلال «ورقته» إلى الحوار المنهجي
من القضايا الملحة التي تحتاج منا إلى تكاتف لتعزيز الوحدة الوطنية
الفلسفة الإغريقية كانت تعتمد على الحوار لكونه منهجاً للإقناع

* الثقافية - علي سعد القحطاني:
حاول الدكتور معجب بن سعيد الزهراني من خلال ورقته التي ألقيت مؤخراً في مكتبه الملك عبدالعزيز العامة بالمربع وكانت عن «الحوار بين المثقفين في المملكة»، أن يقف وقفات تعريفية موجزة لما يمكن أن يفهمه من خلال مفاهيم الفكر الحواري، وأراد أن يؤسس عليها، كمقدمة لمنطلقات الحوار، مشيراً إلى أن هناك تعريفاً أعجبه وهو تعريف عملي وبسيط: واستشهد بمقولة أحد الباحثين الفرنسيين الذي يقول: إن الفكر الانساني كله إبداع متصل للمفاهيم! معتبراً أن الفلسفة ليست التأمل في العالم، ولا محاولة لفهم العالم، وإنما محاولة جادة لتطوير مفاهيم لغوية معينة لمساعدة الانسان على فهم بعض القضايا، وتفسيرها من هذا المنطق، وهذا ما يميز الفكر.. الذي يتمحور حول الانسان، بينما العلم يتجه إلى المادة وإلى الشيء، ومن هنا فإن هذا التعريف السابق ينحو إلى اللغة..
مجالات التفكير
وحدد الزهراني مجالات التفكير في أربعة مجالات:
1- ما تم التفكير فيه ونحن نعلم أن الثقافات والمجتمعات كلها تقريباً لديها مجالات بحثت فيها المعارف والآداب.. ولكن ليس من بين الثقافات ما لم تبحث هذه الموضوعات بطرق واحدة ومناهج واحدة.
2- قضايا يمكن التفكير فيها؛ وفي هذا المجال يتعين على الباحثين أن يخوضوا فيه، نظراً لتطورا أدوات البحث المتاحة، وهذه ناحية مهمة جداً، لأننا لا نستطيع أن ننتمي للفكر الحديث ونحن نستعمل أدوات بحث قديمة ونفكر في قضايا قديمة تجاوزها الفكر!
3- قضايا، ممنوع التفكير فيها! طبعاً كل المجتمعات البشرية هناك قضايا وموضوعات، تحجب عن البحث لأسباب مختلفة، وبالتالي تسمى: الممنوع التفكير فيها، وأحياناً تدخل في إطار العيب، أو المحرم أو الممنوع.. وهكذا.
4- القضايا المبتدع التفكير فيها، وهذه القضايا من الأنماط التي تتجاوز حدود الزمن، والمكان والماهية وبالتالي الانسان لا يستطيع أن يتعقّلها بمنطق برهاني أو منطق دقيق، وبالتالي تترك لمجالات ما يسمى بالمعتقدات..
وأضاف: حينما نتحدث عن هذه المجالات.. يمكن الإفادة بما كتبه المفكرون الألمان؛ وبعض المستعربين: فهناك كتاب لا نستطيع أن نجد نمطاً فكرياً صافياً، منزّهاً عن تداخلات العناصر، ولكن مناط الحكم هنا هو في هيمنة أو شيوع هذا النمط أو ذاك في المجتمعات.
واعتبر الزهراني أن الفكر الحواري الذي يود التركيز عليه؛ يخترق هذه الأنماط، لأنه ليس مجالاً وإنما طريقة ومنهج في التفكير والتعبير، تعتمد الحوار سبيلاً إلى الاقناع؛ وقال: لعلكم تدركون معي جيداً أنه ربما أن الجذر الأهم في هذا الفكر، نجده في الفلسفة الإغريقية وخاصة عند سقراط وتلميذه، فلا تجد هناك حقائق وملقاة مقدّمة، وإنما تجد أساليب أدبية للحوار، وكانوا يعتمدون على الحوار كونه منهجاً للإقناع للوصول إلى الحقيقة.
نجد بذرة هذا الحوار الكتابات الحديثة وما يتعلق بفكر الاختلاف؛ حيث الكثرة والتنوع كمبدأ أساس للخلق ثم إن هناك مرجعية ثانية تتعلق باختلاف طرق الناس في التفكير والتفسير والتأويل، حيث لا نستطيع القول: إن السماء التي يفكر فيها الانسان المسلم، ليست هي السماء التي يفكر فيها الانسان الصيني، أو كما يفكر فيها الانسان الريفي، هناك طرق مختلفة ومتنوعة في هذا السياق والمرجعية الثالثة تتعلق بحالة الناس إلى التفاهم والتعاون أو على الأقل للاحترام المتبادل.
شروط الحوار
وتحدث الزهراني عن الشروط الواجب توافرها في الباحث أو المحاور حينما يسلّم بأهمية الفكر الحواري الذي يعتمد على أدوات منهجية منضبطة، وأجملها فيما يلي: الوعي بمحدودية اللغة والتباس وظائفها؛ مشيراً إلى أن اللغة حمّالة أوجه، وليست بالضرورة تجيب دائماً وإنما تحدد وتحجم؛ والشرط الثاني: ضرورة أن يسلم المحاور بنسبية الحقيقة: الشرط الثالث: اختصار المعرفة، مشيراً إلى أن من هذا المنظور يلح بعض الباحثين أن الحقيقة لا تكون هدفاً للبحث وإنما أفق مفتوح، للبحث وحافز للمزيد من البحوث.
الثقافة العربية والإسلامية
وأشار الدكتور معجب الزهراني إلى الثقافة الإسلامية في تصورها العام، قائلاً: إنها تخضع لتصورات دينية معينة، تبيّن للانسان معاني الحياة والموت، والحكمة من الحياة فكأنما هي تريح هذا الانسان من عناء التفكير في الممتنع التفكير فيه! باعتبار أننا أمام قضايا الاعتقادية التي ينبغي على الانسان المسلم عدم الخوض فيها.. مشيراً إلى أن هذا التصور الإسلامي يربط الإنسان بسلوكيات تحقق مقاصد الشريعة الكبرى.. الخمسة المعروفة، وهي مقاصد مطلقة للانسانية ولا تخص فقط الانسان المسلم، مضيفاً: يجب أن نعلم أن القرآن الكريم، وكما قرأت كتاباً لمحمد إقبال، يقول فيه: إن نسبة 70% من الآيات القرآنية تدعو إلى التفكر والتدبّر، والتأمل والنظر.. ولماذا خلق هذا العالم؟ فالعالم آية كبرى، وعلى الانسان مطالب بالاجتهاد في البحث في الآيات الصغرى.. مشيراً إلى المبدأ الحواري والمعرفي في الإسلام، وهو تحصيل الأجر على الاجتهاد..
والمشكلة التي طرأت على هذه الثقافة عزاها الزهراني إلى ما حدث في الفتنة الكبرى؛ التي سببت نوعاً من الصدمة في بدايات تشكّل الفكر الإسلامي، موضحاً أننا مازلنا نعاني من آثار هذه الصدمة حتى يومنا هذا! مشيراً إلى أن أهم الانتكاسات التي عانت منها الثقافة العربية في حينه.. حيث كانت الدولة الإسلامية في المدينة مبنية على مبدأ التشاور والتعاقد، ولكن أثار الفتنة جعلت من منطق التملك والتغلب فكرة سائدة منذ تلك الفترة وحتى يومنا هذا! وكذا استمرارية النزعة الأبوية الذكورية في المجتمع.. مشيراً إلى أن القرآن الكريم يخاطب الرجل والمرأة على قدر من المساواة، وبالتالي كأنما كلاهما كائن له الحقوق نفسها، وعليه سائر المسؤوليات.. مبيِّناً أن هذه النزعة الأبوية الذكورية هي التي شاعت وسادت حتى يومنا هذا، مشيراً إلى بعض التصورات التقليدية الخاطئة عن المرأة، ووصفها بأنها ليست جيدة، حيث النظرة إلى تحقير المرأة وتهميش دورها في المجتمع... وعن المؤشر الثالث على هذه الآثار، قال الزهراني.. عودة المؤثرات ما قبل الإسلامية، وذلك باستمرار الانتماءات العشائرية، والمذهبية.. معتبراً أن هذه الانتماءات منافية للانسان ووصفها بالخطيرة كونها تعزز الانقسامات العشائرية وتفتت وحدة الأمة.
الثقافة العربية المعاصرة
وأوضح الزهراني أن الثقافة العربية المعاصرة تعاني من اشكالات ومنذ بدايات القرن التاسع عشر محاولات النهضة والتنمية، كانت تتم فيما يسمى بعلاقات الهيمنة من القوى المستعمرة، حيث لم تستطع المجتمعات العربية والإسلامية أن تؤثر في العالم الحديث، وإنما كانت أقرب إلى التأثّر!
وفيما بعد الحداثة اعتبر الزهراني أن الثقافة التقليدية في العصر الحديث (العربية والهندية والصينية... الخ) تمر بفترة انهيار، وإعادة بناء جديدة. ودعا الباحثين إلى التعامل مع السيرة التاريخية، ويخلصوا ما في ثقافتهم مما يتنافى مع الزمن المعرفي الحديث، الذي تحدث عنه في المقام الأول، بما يمكن المساعدة في الحلول في العالم. مشيراً إلى هيمنة الخطاب الأيدويولوجي على الخطاب المعرفي، حيث الشعارات والنقولات العاطفية لكي يكسب مشروعية معينة ويؤثر، بينما الخطاب المعرفي يحاول أن يطوّر الأساليب المعرفية، مشيراً إلى أنه لذلك محدود حتى داخل المؤسسات الأكاديمية من المغرب إلى الخليج! وخاصة الجزيرة العربية لم يتغير فيها شيء منذ آلاف السنين! فبعض الباحثين، يذكر أن عادات المرأة وتقاليدها، لها أكثر من خمسة آلاف سنة.
كما اعتبر الزهراني أن نشوء الدولة الوطنية مكسب تاريخي، لأن الجزيرة العربية لم تعرف قط الدولة المركزية التي توحد هذه الاجزاء لتدخلها في طور التاريخ، كما يقول عبدالله العروي، ومن حسن حظنا وحظها أن هذه الدولة الوطنية قد ساعدها العلم الحديث على اكتشاف البترول، الذي ساعد هذه الدولة الوطنية في إنجاز الكثير من عقود زمنية بسيطة.
فضاء القضايا الداخلية
وقال الزهراني: إن أهم القضايا الوطنية الملحة والتي تحتاج منا إلى تكاتف تعزيز الوحدة الوطنية، كونها العامل الأهم في المؤسسة الوطنية وتحويل المجتمع إلى مؤسسات.. وكذا استمرارية التنمية المستدامة، وعوّل على النخب المثقفة لتؤدي دوراً مهماً في هذا الجانب لأنها المعنية بمجابهة المعضلات التي قد تثير قلق فرنسا أو بريطانيا أو إيطاليا، مثل البطالة، والدين العام، والخدمات... الخ.. هذه قضايا ملحة وينبغي أن تثير فينا القلق المنتج، لنحاول البحث والاجتهاد.
ودعا الزهراني المؤسسات الوطنية لتمثل قيم العلم الحديث ونشرها والدفاع عنها، وتبني الفكر الحوار المؤسس على الفكر، مشيراً إلى النموذج المثالي في هذا الخصوص، اللقاء الوطني للحوار الفكري، معرباً عن سعادته بما سمع عنه من أخبار، ودعا إلى امتلاك الإرادة في تنمية هذا التوجّه في بلدنا وبين مثقفينا.. ورحب بعقد المزيد من مثل هذه اللقاءات الحوارية التي تثري المجتمع.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved