أثنى الله عزّ وجلّ على العلماء كثيراً.. ونوه بشأنهم ورفع منزلتهم.. وأكد أنهم يدركون الأمور، ويعلمون عن ربهم أكثر من غيرهم {إنَّمّا يّخًشّى اللهّ مٌنً عٌبّادٌهٌ العٍلّمّاءٍ} ولا شك أن الناس جميعاً يخشون الله ويخافونه ولكن خشية العلماء ناتجة عن إدراك عظمة الله.. عزّ وجلّ واستحقاقه للخشية والرهبة والرجاء والخضوع.
ويقارن الله عز وجل بين العلماء وغير العلماء بصيغة استفهام النفي فيقول {هّلً يّسًتّوٌي الّذٌينّ يّعًلّمٍونّ وّالَّذٌينّ لا يّعًلّمٍونّ إنَّمّا يّتّذّكَّرٍ أٍوًلٍوا الأّلًبّابٌ}.
أيها الإخوة إن كثيراً منا يتلو هذه الآية ويرددها عند المناسبات .. ولكن القليل منا من يدرك المراد بها.. وموضع المفاضلة منها.. فهل المقصود بالعلماء من يعلم شيئاً من الكتب أو أفواه الرجال.. أو جملة في ذهنه. أو في مذكرته. وهل المقصود من يتسمى بالعلم وينتسب إليه؟
وهل المقصود من يوصف بصفة العلم؟ إن الجواب بالطبع سيكون.. لا وكلا.. ان العلم الحقيقي هو الذي يعلم ويدرك حقائقه ثم يعمل به ويهتدى بسببه ويظهر ذلك في نفسه وفي سلوكه ومعاملته للآخرين وصدق حكمه على الأمور ونظرته للأنبياء وإرشاده للناس، فالعلماء المقصودون هم الذين لهم عقول يدركون بها حقيقة العلم، ويتذكرون ويعملون فيكونون بسبب ذلك علماء صدق، ينتفعون بعلمهم وينفعون الناس.
هل للعلم حدود..؟
العلم هو كل معرفة توصل إلى حقيقة، والعالم عندنا هو من يعلم شيئاً ينتفع به هو ثم ينفع أمته وبني قومه.
وحدود العلم ألا يكون ضاراً ومن هنا يأتي دور الإسلام في تفسير العلم، فالعلم صفة طيبة لا تطلق إلا على ما يزينها ويليق بها.
فالعارف لربه عالم، والمدرك لدينه عالم، والمجيد لمهنته عالم، الماهر بصنعته عالم.. وهو عضو في هيئة العلماء عليه واجب، وهو مسؤول في المجتمع الإسلامي مطالب بإجادة الصنعة وإتقان المصنوع.. ويثني رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه..).
نعم.. العمل لا يكون حسناً.. ولا يكون له فائدة إلا إذا كان متقناً مؤدى أحسن الأداء.
والمسلمون مدعوون لأن تكون كل أعمالهم متقنة في غاية الاتقان والإجادة والأحكام ما كان منها معنوياً وما كان حسياً.. ولذلك كانت أمانة في عنق من يتولاها.
وكل ذلك من أجل قيام مجتمع إسلامي مكتمل البناء، أفراده متعاونون، على ما ييسر لهم حياتهم ويسعدهم فيها، كل في حدود اختصاصه ومسؤوليته.
ومن حدود العلم لدينا نخلص إلى ناحية مهمة وهي انتكاس العلم ووصوله إلى درجة التدمير والخراب.. بأيدي صانعي المدمرات والمتفجرات.. فليس هؤلاء بعلماء ولا يستحقون أن يوصفوا بهذا الوصف الشريف الكبير..
استعمال العلم
قال رجل للمهلب بن أبي صفرة:
كيف بلغت هذه المنزلة؟
فقال المهلب: إنما كان ذلك بالعلم وحده.
فقال الرجل: ولكني أرى غيرك لم يصل إلى ما وصلت إليه وقد تعلم أكثر مما تعلمت..!
فقال المهلب: إنما ذلك لأني استعملت علمي ولم أحمله بينما أهمله غيري ولم يستعمله.
المهلب كلنا نعرفه قائداً محنكاً فتح الفتوح ووطد الملك لعبدالملك بن مروان.. وكان عالماً حسن التصرف يرضى عنه الضباط والجنود ويرضى عنه الحكام.
وقد بلغ في زمنه منزلة لا يطاولها أحد ولا يدانيها قائد.. ولا غرو فقد كان يجمع إلى الشجاعة والاقدام العلم والحكمة.
ومن حكمته وإدراكه أنه أدرك أن العلم لا يكون علماً نافعاً ولا يؤتي نتائجه إلا إذا اتبع العالم القول بالعمل، واستفاد مما حمل، ولعلنا ندرك من هذه الحكمة الصادرة من مجرب أن كثيراً من الناس يجهل حقيقة العلم فيظن أن من حمل علماً سمى عالماً، ومن هنا أتى مجتمعنا اليوم، فالعلماء كثيرون، ولكن الفائدة قليلة
|