كانت هذه الجريدة قد نشرت في عددها الصارد بتاريخ 16/6/1390هـ استطلاعاً صحفيا حول المياه في الرياض، وقد تلقينا من الأستاذ صالح المساعد مدير إدارة تنمية موارد المياه بوزارة الزراعة الرد التالي نشره شاكرين له ما أوضح للمواطنين.
لم يكن صاحب المقال موفقاً بمقالته التي نشرها بصحيفة الجزيرة بعددها رقم 307 وتاريخ 16 جمادى الثاني عام 1390هـ حيث بنى مقالته على أسس ضعيفة فالفقرة الأولى من المقال والتي قال فيها الكاتب بالحرف الواحد «يقال إن وزارة الزراعة بدأت بحفر آبار بالمزاحمية وغيره.. إلخ»
تدل على أنه يجهل الحقيقة ولم يتصرف إلا على أساس اشاعات معينة، ونود ونحن بهذا الصدد أن نخبره وكذلك الآخرين بأن الوزارة لا تقوم بالحقيقة بحفر أية آبار بالقربب من المزاحمية غير أن هذا لا يعني أن الوزارة سوف لا تحفر أبداً آباراً في هذه المنطقة «وسيتم ايضاح هذه الناحية في مرحلة لاحقة من هذه الاجابة».
ذكر الكاتب أنه راجع كتباً وتقارير عديدة أعدها كبار الخبراء وأشار فقط إلى نشرة لم تتعد صفحاتها الثلاث والعشرين بما في ذلك الرسومات.
إن صاحب النشرة المذكورة بعنوان (المياه الجوفية في الشمال الشرقي من المملكة العربية السعودية» أقول إن صاحب هذه النشرة السيد علي النعيمي معروف لدى الوزارة وأن درايته وما قدمه من خدمات جديرة بكل تقدير غير أن النشرة المذكورة كانت قد صدرت منذ خمسة أعوام وقد تم ذلك الحين القيام بدراسات متعددة في الحقل وغيره وحفرت عدة آبار اختبارية أكسبتنا نتائجها خبرة أكبر ونمت معرفتنا وزادتها وضوحاً بالنسبة لتكوين الوسيعة، والوزارة ستكون شاكرة فيما لو تمكن صاحب المقالة من ذكر عناوين المراجع الأخرى التي قام بمطالعتها.
إن غالبية آراء الكاتب عن تكوين الوسيعة والمستعارة من النشرة السالفة الذكر هي صحيحة على وجه العموم ولكنها غير تامة حيث لم يتعرض مطلقاً للناحية الاقتصادية للمشروع وعن امكانية اجرائه هذا بالإضافة إلى أنه يفتقر ولو لفكرة بسيطة عن جغرافية المنطقة ولكي نكون أكثر وضوحاً نضرب المثال التالي، فالكاتب يقول «إنها قريبة من الرياض حيث تبعد عنها مسافة تقدر بمائة كيلو متر فقط باتجاه خريص ولا تتعرض هذه المسافة لجبال أو مرتفعات تعوق التمديدات والحفريات.. إلخ.
صحيح أنه عندما يقود شخص سيارته من الرياض باتجاه خريص ولم يكن ذلك الشخص على دراية بالأعمال الهندسية يعتقد أنه يسير على منطقة مستوية للغاية أما إذا اصطحب معه جهاز هندسي بسيط لقياس الارتفاع عندها سيلاحظ اختلافاً في التضاريس (الطوبوغرافيا) وبأن الفارق بالمنسوب بين نقطتين قد يصل إلى عدة مئات من الأمتار.
هنالك مأخذ آخر على صاحب المقالة تدل على عدم درايته بمثل هذه الأمور فهو يقول: «إن الماء يزيد في تكوين الوسيعة كلما أخذ منه.. إلخ» وهذه الفقرة بالذات بصفتها غير مطابقة لأي مبدأ حسابي ليست جديرة بالتعليق فعندما يكون لدى شخص ما أي شيء بغض النظر عن نوعه أكان ماء أو مناجم أو نقوداً فإن هذا الشيء مهما كان كبيراً أو كثيراً إلا أن له حداً يتوقف عنده ولسنا نعرف كيف يمكن أن يزداد هذا الشيء عندما يؤخذ منه فقط دون أن يعوض أو حينما تكون كمية الاستعاضة أقل من الاستهلاك.. وإن دل هذا الأمر على شيء فإنما يدل على افتقار الكاتب حتى لمبادىء الحساب الأولية.
قلنا في البداية بأن الكاتب بنى تخيلاته على أسس ضعيفة للغاية ولبرهنة وإيضاح ذلك نذكر المثال التالي:
ذكر الكاتب ما نصه «إن استمرارنا في حفر الآبار الخاصة بمياه الشرب في المزاحمية إنما نعرض في تصرفنا هذا المياه التي يعتمد عليها المزارعون في مثل هذه المناطق إلى الشح» وهذا يدل بحد ذاته على أنه لا توجد لدى الكاتب أية معلومات عن المياه الجوفية بمنطقة المزاحمية. ويسرنا إفادة صاحب المقالة بأنه لا توجد أية بئر خاصة في المزاحمية لأغراض الري محفورة بتكوين المنجور وهو التكوين الذي ينوي أن يكون مصدراً لتأمين مياه الشرب للرياض وإن كل الآبار الخاصة التي يمتلكها المزارعون والتي تستعمل في أغراض الري محفورة بالطبقات السطحية ولا علاقة لها والحالة هذه بالطبقات المائية العميقة.
صحيح أن تكوين الوسيعة يستعيض مياهه من سقوط الأمطار ولكن متى وكيف؟ نوصي بهذه الحالة بأن يقوم كاتب المقال على أقل تقدير بمراجعة تقارير شركة الزيت العربية الأمريكية «أرامكو» والتي تبرهن على أن عمر تكوين الوسيعة يزيد على (000 ،18) عام وهذا يعني أن مياه الأمطار تسربت لتكوين الوسيعة طيلة الثمانية عشر ألف عام وعليه فإن الاستعاضة الفعلية من مياه الأمطار ليست كبيرة للغاية...
نعتقد أن الأفكار التي عبر عنها الكاتب اعتمدت على ما سمعه وأن تلك الأفكار تفتقر إلى الدقة والاستقصاء وقد تضلل الرأي العام خاصة وأن غالبية الناس ليست على دراية فنية تامة بأعماق المشكلة وهذا هو السبب الذي يحدو بنا إلى أن نشرح بالسطور القليلة التالية: ما هو تكوين الوسيعة؟
وما مدى امكانية الاستفادة منه كمصدر لتأمين المياه للرياض مستقبلاً؟.
إن المعلومات التالية مأخوذة وملخصة من أحدث التقارير التي قامت بإعدادها مختلف الشركات الاستشارية الأجنبية التي عملت لحساب وزارة الزراعة والمياه، علماً بأن هذه المعلومات هي خلاصة أعمال جادة جرت في الحقل ودامت ثلاثة أعوام ونتيجة لحفر عدة آبار تنقيبية حفرت بالمناطق التي يزمع القيام بمشاريع فيها مستقبلاً.
إن تكوين «الوسيعة» وكذلك تكوين «بياض» اللذين يعتبران وحدة مائية واحدة يرجع عهدهما للعصر الطباشيري «كريتيشص» وهما تكوينان حاملان للماء ويتألفان من رمال لينة «غير صلبة» وذات مسامية ويتخللها تكوينان طفالية وطفالية رملية..
إن تكوين الوسيعة لم يستغل حتى الآن ولكن النية تتجه للاستفادة من هذا التكوين واستغلاله لتأمين مدينة الرياض بالمياه وتقوم شركة أرامكو حالياً بالتنقيب عن هذا التكوين ولاسيما وفي منطقة ابقيق قامت أرامكو بحفر بضعة آبار بتكوين الوسيعة في خريص وسلمت أرامكو هذه الآبار لوزارة الزراعة والمياه وهناك بئر جديدة تحفر حالياً لسد احتياجات أهالي تلك المنطقة من المياه.
يبرز تكوين الوسيعة على وجه الأرض ابتداء من وادي الدواسر حتى منطقة قريبة من تربة شمال غرب القصيم.. هذا ويعتقد أن تكوين سكاكا بمنطقة سكاكا هو ند لتكوين الوسيعة، أما الجزء الشرقي من منطقة الرياض فإن تكويني الوسيعة وبياض يشكلان
حزاما يصل عرضه لقرابة ثلاثين كيلو مترا ابتداء من نقطة تقع على مسافة «35» كيلو مترا شمال شرق الرياض وقد تمخضت الدراسات الحديثة التي اجريت لذلك التكوين «الوسيعة» عن النتائج التالية:
1- أن اعمق منسوب المياه في الاقاليم التي لا يكون فيها تكوين «الوسيعة - بياض» ارتوازيا يتراوح بين 230 - 370 متراً تحت سطح الارض وكلما اتجهنا للجهة الشمالية الشرقية يصبح هذا التكوين ارتوازيا «فواراً» حيث تتواجد الطبقة المائية في اسفل اجزاء التكوين العديمة المسامية. وكنتيجة لهذا الواقع فان الجزء العلوي من تكوين الوسيعة على مسافة حوالي «110» كيلو مترات من الرياض يكون على عمق 230 مترا ويزداد عمق اعلى تكوين الوسيعة الى 300 متر من سطح الارض على مسافة «130» كم من مدينة الرياض ونجد ان عمق المنسوب البيزومتري بين هاتين المسافتين «110 و 130» ك.م يتراوح بين 200 و 230 مترا.
2- ان كميات المياه التي تستعيضها الطبقة المائية من مياه الامطار والسيول والتي تصل لمناطق ظهور التكوين تعتبر منخفضة للغاية على عكس ما كان يعتقد سابقا...
3- اما فيما يتعلق بنوعية مياه تكوين الوسيعة بالقرب من مناطق ظهور التكوين فهي تصل لقرابة «1000» جزء بالمليون...
4- لو اخذنا بعين الاعتبار أن تكاليف حفر بئر للماء ترتفع كلما زاد عمق منسوب الماء نجد ان من الضروري حفر آبار الرياض في المناطق التي يكون فيها المنسوب البيزومتري قريبا نسيبا من سطح الارض والحقيقة إن على المرء أن لا يحدد المنطقة على اساس ما تتضمنه هذه الفقرة «4» فحسب بل عليه ان يأخذ كذلك بعين الاعتبار أن لا تكون تكاليف تمديد خط الانابيب الذي سيربط هذه الآبار بمدينة الرياض باهظ التكاليف.. والمنطقة التي تلائم هذه الشروط هي تلك التي تقع على مسافة حوالي «110» كيلو مترات الى الشرق من مدينة الرياض حيث في تلك المنطقة نجد أن العمق حتى منسوب المياه يتراوح بين 200-230 مترا.
5- قبل البت في أي قرار بشأن اي برنامج لحفر آبار المياه يوصي بحفر ثقوب استطلاعية «تنقيبية» وذلك لاتمام الدراسات والتعرف على المناطق التي تسود فيها طبقات الحجارة الرملية...
6- ان الحركة المائية «الهيدروديناميكية» التي تتميز بها الطبقة المائية تحتم بأن من الافضل أن تكون المسافة بين كل بئر واخرى في حدود 2000- 3000 متر ويفضل أن تكون الآبار على خط واحد مواز لمنطقة ظهور التكوين..
7- ستتراوح اعماق هذه الآبار الانتاجية في حالة وجود طبقات كثيفة من الرمال في تكوين الوسيعة بين 400-500 متر واذا تقرر استغلال الرمال والحجارة الرملية بتكوين بياض فان الاعماق قد تصل والحالة هذه الى 550-700 متر.
بالنظر للاحوال المنوه عنها اعلاه فانه فيما لو استمر تدفق المياه بالرياض بمعدل «000 ،100» متر مكعب باليوم فان تكلفة المتر المكعب الواحد منها ستكون في حدود «53» هللة، اما اذا كانت طاقة المشروع اقل من ذلك اي في حدود «000 ،80» متر مكعب يوميا فان - التكلفة سترتفع والحالة هذه لتصبح حوالي «60» هللة للمتر المكعب الواحد.
ان كل الايضاحات السالفة الذكر تشير الى أن وزارة الزراعة والمياه على دراية تامة بوجود مصدر مياه قريب نسبيا من مدينة الرياض وهي تعرف حق المعرفة متى وكيف يمكنها استغلال هذا المصدر وانها «اي الوزارة» قامت بالفعل باعداد خطة تبين ما يجب اتخاذه من اجراءات كل عام..
وعلى كل حال فان وجود تكوين الوسيعة لا يحول دون قيام الوزارة وجهات الاختصاص فيها بالبحث والدراسة لمعرفة ما اذا كان هناك اي مصدر آخر للمياه قد يكون اقل تكلفة من تكوين الوسيعة وهذا هو السبب الذي حدا بالوزارة بالقيام بدراسات اخرى في الجهة الغربية من الرياض وقد دلت النتائج أن بالامكان الحصول على مياه بأقل تكلفة من مياه الوسيعة فيما لو اقيم حقل من الآبار لاستغلال مياه المنجور على مسافة حوالي «60» كيلو مترا غربي الرياض حيث ستتراوح تكلفة المياه التي تستخرج من تكوين المنجور في المنطقة المذكورة من 29-47 هللة وهذا يعتمد في حد ذاته على حجم المشروع.
ان كلا المشروعين بحاجة الى دراسات تفصيلية والوزارة آخذة هذه الناحية بعين الاعتبار حيث ستتم هذه الدراسات التفصيلية على اساس خطة وضعت وصودق عليها من الجهات العليا علما بأن وزارة الزراعة والمياه ذهبت الى ابعد من ذلك عندما اخذت بالحسبان ما قد يكون عليه الوضع في الرياض مستقبلا من ناحية تأمين مياه الشرب.
بعد المشروع بالانتفاع من مياه هذين التكوينين وعندما يتزايد عدد السكان وتصبح مياه المنجور والوسيعة غير كافية لسد احتياجات الاهالي ومع ذلك فان الوقت مازال مبكرا لبحث هذا الموضوع في هذه الاجابة القصيرة كل ما يمكننا اضافته ونحن بهذا الصدد هو ان المسئولين على دراية تامة بكافة نواحي المشكلة وسوف تتخذ كافة الاجراءات لتأمين اهالي مدينة الرياض بحاجتهم من المياه بدون تأخير وبدون الحاق اي ضرر بأي موقع او جهة اخرى.
|