لم يزل صيادو الأسماك في أفريقيا والهند يلجؤون إلى وسيلة طريفة جدا للعثور على طوائف السمك في بعض المواقع البحرية. وهي أنهم يمسكون بطرف ملعقة أو مغرفة خشبية طويلة ثم يغمسون طرفها الثاني في الماء، ويقفون منصتين.. فان الطرف الثاني الملصوق بأذنهم اذا اهتز واضطرب على نحو معلوم هداهم إلى مواضع تجمع السمك!!
ولكنه بديهي أن هذا الاسلوب البدائي لا يستقيم لمن يريد الاهتداء الى مواضع السمك خارجا عن الماء، ولابد من وسائل علمية متقنة لتخطيط «خريطة» لمواضع اقامة الاسماك، فان التقاط «أصوات» الدلافين وكلاب البحر استلزم آلات حساسة جدا وجرى صدفة واتفاقا ابان الحرب الماضية، بينما كانت تلك الآلات موضوعة على السواحل الاميركية والانكليزية للانذار باقتراب غواصات العدو! فمما لاشك فيه اليوم أن عالم اللجج السري انما هو عالم مزدحم بأصوات الاسماك وشتى الحيوانات البحرية، ويظن عامة بين معاشر علماء البحر أن الأصوات العريضة الثخينة تتضخم بواسطة جعبة السباحة التي جهزت بكل الاسماك وكل حيوان سباح، فان الجعبة تكون لها بمنزلة مضخم الصوت المعروف.
أما الاصوات الرفيعة الثاقبة فانما تتولد عن احتكاك الاسنان بعضا ببعض، ويسمونها الاسنان البلعومية.
قاموس أصوات الحيوانات.
اعتمد الاختصاص الاميركي «دجون ستاينبرغ» على هذه النتائج العلمية المسلم بها، لكي يضع شبه قاموس مشتمل على مختلف أصوات الاسماك والحيوانات البحرية، بعد انقطاعه إلى البحث مدة ثمانية أعوام، ونظريته أن مجموع هذه الاصوات الثخينة والرفيعة انما هو لغة حقيقية تتداولها الحيوانات البحرية وتتفاهم بها، ولذلك سمى كتابه: «قاموس لغات عالم البحار».
والفكرة العامة هي أن هذه اللغات مبنية على حاجة الحيوان البحري إلى البقاء والتناسل، في المعركة المتواصلة بين طوائف الحيوان لتنازع البقاء.
مثال ذلك أن كلاب البحر تنجذب إلى فرائسها وتهتدي إلى مواضعها بعد سماعها أصوات نوع خاص من السمك يسمى «دامسيلفيش» وثبت ذلك بالتجربة اذ أطلق العالم أصواتا اصطناعية مماثلة بواسطة آلة كهربائية، فهرعت كلاب البحر مسرعة إلى موضع انطلاق الأصوات ثقة بوجود الفريسة. وكيف تلتقط حيوانات البحر الاصوات المنتشرة في الماء؟ يبدو من هذه الابحاث أن بطونها مجهزة بآلات صغيرة أشبه بلاقطات الصوت أو «الميكروفونات» وان لها حساسية عجيبة.
|