ليست الأحداث التي تجري في عالمنا العربي بمعزل عن مخططات الكيد الصليبي والصهيوني، بل هي جزء من خطط متكاملة لتقويض بناء الأمن والاستقرار في المنطقة، وحلقة في سلسلةٍ متصلة من قومٍ يتقنون فنّ المكر والكيد منذ زمنٍ بعيد، ويجيدون فن المواراة والتغطية حتى يظن الناس أن الأحداث ناشئة من داخل العالم الإسلامي والعربي، وأنها نتيجة لانحراف فكري ليس للأعداء علاقة به، ويحسنون فنَّ اغتنام الفرص لتحقيق ما يهدفون إليه من السيطرة على خيرات المسلمين، والهيمنة على بلادهم.
وأكبر دليل على ذلك ارتباط كثير من الأحداث - من حيث التوقيت - بوجود قنوات الاحتلال الغربي في العراق، فقد صاحبت هذا العمل وسبقته، ولحقته مجموعة من أعمال التخريب، والشَّغب، والاضطرابات التي تحمل مواصفاتٍ لا يشك المتتبع الواعي أنها من انتاج مصانع المكر والكيد والارجاف في أمريكا وغيرها من البلاد الأوروبية التي تسير في ركابها.
ومن هنا كان لزاماً علينا أن نكون على مستوى الوعي بهذه الأحداث ومعرفة أبعادها، وأسبابها القريبة والبعيدة، وأن نكون قادرين على التعامل الحازم معها من حيث الشدة في معاقبة المباشرين لها، والدراسة الواعية العميقة لأحوال المتأثرين بالفكر المنظِّر لها، بعيداً عن التشنج والانفعال الذي قد يكون من أسباب زيادة اشتعالها في المنطقة، وهذا ما يتوق إليه المخطِّط الكبير الذي يراقب نتائج ما خطَّط له.
هنالك سلسلة مؤامرات عالمية لأصحابها مقدرة فائقة على التمويه والتضليل، وعلى استخدام الآخرين في تحقيق مآربهم وأهدافهم وخططهم، وهنالك فئات من أبناء العرب والمسلمين لهم أفكار شاطحة بعيدة عن الرؤية الصحيحة للواقع تدفعهم إلى أعمالٍ يظنون أنها أعمال اصلاح وخير، وأنهم حينما يقومون بها إنما يؤدون واجباً دينياً ويجتهدون فيها اجتهادات غير صائبة تدفعهم إلى اتخاذ خطواتٍ مخالفةٍ تتحول في معظم حالاتها إلى ارجاف واعتداءٍ وقسوةٍ وعنف، وهذه الفئات ذات مستويات مختلفة كما يبدو، ولها أدوار يكمِّل بعضها بعضاً، فمنهم المنظِّر الذي يفتي ويوجِّه ويرسم الخطط، ومنهم المنفذ بقناعة كاملة، ومنهم المنخدع الذي يظن ما يقدم عليه حقاً، ولا شك ان دراسة أحوالهم مهمة جداً للوصول إلى أفضل طرق الاقناع والمواجهة حتى يكون العلاج ناجعاً، ولعلَّ من الواضح لنا جميعاً أنَّ المسألة أخطر وأكبر من أن نواجهها - في مجملها - بالشدة التي قد تكون سبباً في اشعال نارها بصورة أكبر، وهذا ما يتوق إليه الأعداء، ويعدُّونه نجاحاً كبيراً لخططهم التي وضعوها لاحداث الاضطرابات والارجاف في المنطقة.
ولعلَّ من المؤكد أنَّ استنفار جميع الطاقات في هذه المرحلة مهم جداً حتى نزيد من التلاحم القوي، وحتى يكون هنالك إلمام بأبعاد هذه الأحداث فكرياً ونفسياً، وما يقف وراءها من توجهات سياسية وغير سياسية، لأن ذلك هو الطريق الأمثل الذي يمكن أن يوصل إلى الغاية التي نسعى إليها، ألا وهي المحافظة على الأمن والاستقرار في منطقتنا العربية وعالمنا الإسلامي.
نحن في المملكة العربية السعودية نعيش في قلب الأحداث، والعالم كلُّه ينظر إلينا بعين الاهتمام، الأصدقاء حريصون على استمرار الاستقرار في بلادنا لأنها الشجرة الوارفة التي يستظل بظلها جميع المسلمين، والأعداء حريصون على احداث خلخلةٍ في استقرارها لأنهم يعرفون قيمتها ومكانتها.
ونحن جميعاً ولاة ورعية مسؤولون أمام الله عن تماسك صرحنا الكبير، ومطالبون بتعاملٍ قائم على ضوابط الشرع الحكيم، مع الوعي الكامل بما يجري لأننا محط أنظار المسلمين في العالم كله، وإنّا - إن شاء الله - لقادرون على ذلك إذا صلحت النيات.
إشارة
مَنْ يُلاقِ النار بالنار يزدها
لهباً، إطفاؤه يغدو مُحالا
|
|