ارتبطت حياة الإنسان على سطح الأرض منذ القدم بسعيه نحو تطوير نفسه وتيسير ما خلق الله لصالحه فبحث ونقّب واكتشف الطبيعة من حوله، وعمل على تسخير ما فيها ليحيا حياة سعيدة فوجد نفسه يقاوم ضراوة المناخ وشدة ووعورة التضاريس وانتقلت حياته من سُكنى الكهوف إلى تلك العمارات الشاهقة التي بناها وعمّرها وجعلها تناطح السحاب.
وتغلّب على المظاهر والظواهر الطبيعية بل استثمرها لصالحه فجعل من الشلالات ومساقط المياه المتدفقة وسيلة لتوليد الكهرباء، وطوّر حياته بتلك الآلات والمعدات الحديثة واحتفظ بفاكهة الصيف ليستمتع بها في الشتاء، وأحال حرّ الشمس ولهيبها إلى حجرات مكيفة الهواء، وتمكن أن ينقل رسائله عبر لمسة من إصبع لأحد أزرار الآلة أو الحاسب الآلي واستغنى عن الحمام الزاجل الذي ظل أنيساً له فترة من الزمن ينقل رسائله عبر الأيام والشهور.
والنماذج كثيرة على ذلك البون الشاسع بين حياة الإنسان في الماضي وحاضرهم الحياتي الآن، وسوف يتسع ذلك البون ويتسع كلما تقدم الزمن ومرت الدهور، وهذا كله بفعل الثقافة التي صارت نتاجاً حضارياً بما تحمله من ماديات ومعنويات.
وكلما ارتقت حياة البشر ارتقت ثقافتهم بما تحويه تلك الثقافة من قيم ومعارف وعلوم وأخلاق وسلوك إيجابي وإبداع جمالي فني ووسائل اتصال حديثة وتقنيات معاصرة وأساليب تفكير وطرائق تعبير.
وما من شك ان التقدم التقني والتطور في العلوم قد فرض على عالمنا المعاصر واقعاً مغايراً عما كان عليه من ذي قبل، فقد تلاشت المسافات واستطاع الإنسان أن يراقب وهو في الأرض ما يحدث فوق سطح القمر واستطاع أن يتخاطب مع مجموعة من بني جنسه من مختلف المشارب والتوجهات وفي مختلف أنحاء الأرض وهو جالس في بيته أمام موقع على الإنترنت وعبر وسائل اتصال لم يكن يخطر في بال أحد توفرها بمثل هذه الصورة والكفاءة والإتقان.
في ظل هذه المتغيرات الشاملة والعميقة التي هي من صنع البشر الذي ميّزه الخالق سبحانه وتعالى بالعقل المفكر المبدع تقاربت عوامل الاحتكاك الحضاري والتبادل الثقافي وأخذت منظومة العمل الإعلامي أبعاداً جديدة في وسائل نقل الخبر، وفي وسائط التأثير، وفي صياغة عقول الناس، وفي طرح الرؤى والقضايا، وفي الدفاع عن السياسات وشرح التوجهات، وفي كسب المعارضين، وفي دحض حجج المناوئين.
ولم تعد وسائل الإعلام قاصرة على أهداف التسلية أو الترفيه أو توفير مناخ المرح في البيت. فالقضية غدت كبيرة، والمسؤوليات أصبحت متعددة، ولم يعد بإمكان القائمين على الإعلام الانعزال عن مجريات ما يجري في العالم من حولهم أو الابتعاد عن تأثير ما أنتجته التقنية المعاصرة. وكان من نتائج ذلك أن شاهدنا على ساحة الإعلام والثقافة العديد من القنوات الفضائية مختلفة الأهداف متعددة التوجهات، وتنوّع أسلوب الطرح كما تعددت أساليب التناول للقضايا المطروحة، وأصبح للدول استراتيجياتها الإعلامية وسياساتها الثقافية.
فأين كان إعلامنا السعودي ومؤسساتنا الثقافية في هذا المحيط المتلاطمة أمواجه بالمتغيرات؟.
لقد تعددت أجهزة الثقافة وتنوعت وسار كل جهاز يسعى لتحقيق هدفه بعيداً عن الآخر، وصار من الضروري إعادة النظر في الواقع الثقافي والإعلامي الذي اتسم بتشتت الأجهزة وازدواجية العمل فيما بينهما. وكان من الأمور الضرورية والملحة وفي ظل النهضة الحضارية التي تعيشها المملكة ان يتم تجميع تلك الأجهزة تحت لواء وزارة واحدة تعنى بشؤون الثقافة والإعلام، ترتقي بالمؤسسات والأجهزة الموجودة، وترفع من مستوى أدائها وتزيد من كفاءتها وتدفع بها نحو تحقيق أهداف واضحة ومحددة تدور حول الإسهام الفعّال في تحقيق سياسة الإعلام بالمملكة والمشاركة ذات الفاعلية في بناء الإنسان السعودي المؤمن بربه المتمسك بدينه القادر على خدمة نفسه ووطنه ومجتمعه وأمته، والمتحلي بمكارم الأخلاق، المتمكن من التعامل مع معطيات عصره في العلوم التقنية.
إن كل ذلك يتطلب من هذه الوزارة الفتية التي جاءت معبرة بصدق عن طموحات قيادتنا يحفظها الله في أن تكون مؤسسات المملكة ملبية لحاجات المواطن متمشية مع روح العصر محققة للتطوير المستهدف لمؤسسات الوطن.
وها قد جاءت وزارة الثقافة والإعلام في ظل نظرة تطويرية لتواجه قضايا ثقافية إعلامية وإعلامية ثقافية هي في حاجة إلى تلك الشمولية في الطرح والتعمق في التناول في قضايا تمس الوطن بدءاً من قضايا التنمية الشاملة ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وانتهاء بتلك المقاومة الواجبة والتصدي اللازم للأفكار الدخيلة على مجتمعنا والتي تحوّلت إلى أداة هدم وترويع للآمنين.
إن وزارة الثقافة والإعلام اليوم ومع بدايات تأسيسها في إطار تنظيمي جديد مدعوة لأن تتطرق وبعمق وشمولية للقضايا المتعددة للوطن دفاعاً وبناء وتحصيناً وتنشئة لأبنائها، فنحن في حاجة للمواجهة الشاملة العميقة مع الفكر الضال والمنحرف وفي حاجة للبرامج التي تهدف إلى زيادة اللحمة الوطنية في إطار نسيج هذا الوطن الواحد الذي تأسس على كلمة التوحيد.
إن مسؤولية وزارة الثقافة والإعلام بعد لمِّ شتات مؤسسات الثقافة هي مسؤولية شاقة وعسيرة ولكنها ليست مستحيلة التحقق بفضل الله ثم بدعم وتوجيه ولاة الأمر حفظهم الله وبتلك الخبرات الإعلامية والثقافية المتميزة التي تحققت لهذه الوزارة بإشراف مباشر من فارس الإعلام معالي الدكتور فؤاد بن عبدالسلام الفارسي وأخيراً وليس آخراً بفضل هذه المتابعة من قبل المواطن السعودي الذي يميز بين المفيد والضار بحكم حسّه الوطني الذي نشأ عليه فوق أرض هذا الوطن المعطاء.
والله الموفق ......
|