في عددها ذي الرقم 11222 وفي صفحة آفاق إسلامية قرأت ما جاء في زاوية «حدث في المحكمة» والتي يرويها فضيلة القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض الشيخ إبراهيم بن صالح الخضيري.. تحت عنوان «المهلة عشرة شهور..» وتدور أحداث هذه القصة بين خصمين في كفالة غرمية.. وكيف كان التصرف الحكيم من المدعي تجاه المدعى عليه من حيث الامهال في سداد المبلغ المدعى به في ذمته وحول هذا الموضوع نلحظ أن هناك تفريطاً من البعض تجاه أداء الحقوق والالتزام بما عاهدوا الناس عليه في الكثير من الحقوق والمطالب، ولعل الكفالة في قضايا الديون هي بعض تلك الحقوق والمسؤوليات الملقاة على عاتق الكفيل، والمؤسف أن البعض لا يدرك مدى هذه المسؤولية وانها حمالة تحملها بناء على رغبته ومحض إرادته والتزاما بحق للغير في ذمته، وأن التهاون في ذلك أو عدم الالتزام بالوفاء مخالفة لقوله تعالى {يّا أّّيٍَهّا الّذٌينّ آمّنٍوا أّوًفٍوا بٌالًعٍقٍودٌ... } واخلال بواجب من الواجبات وقد قال عليه الصلاة والسلام: «المؤمنون على شروطهم..» الحديث، والحق أن مثل هذا التقصير في جانب الكفالة إنما جاء نتيجة للفهم الخاطئ لها، لذا فإن صاحب الحق «الدائن» عندما يعجز عن مطالبة «المدين» يتجه بدعواه إلى «الكفيل» ويتذرع هذا الأخير بأن كفالته ما جاءت إلا ثقة بالمكفول واستجابة لطلبه المتكرر وما هو إلا طرف ثالث لا له.. ولا عليه، وهذا عين الخطأ وموطن العجب كيف تكون طرفا «مدينا» من غير استعداد لتحمل المسؤولية.
ثم تأمل في ابعاد هذه الكفالة.. ولا تقل: «إن المكفول ثقة.. ثبت.. ميسور الحال.. وطيب السيرة» هذا صحيح فقد يكون معروفا بالصلاح.. وموثوقا به.. ولا يشك في تصرفاته.. بل لا يعرف عنه مماطلة أو تحايل وكذب.
لكن.. هب انه تعرض لجائحة في أملاكه، أو خسارة في أمواله.. أو حاجة ألمت به.. أو ظروف طارئة أجبرته على «الضعف» وعدم السداد وهذا لا يعني التحذير من الكفالة.. وعدم الاحسان للآخرين بقدر ما يعني الاهتمام وضمان الحق لصاحبه.. والوفاء بأداء الواجب.
وعليه فلا بد من التفصيل في مثل هذه القضية.. إذ لا إفراط فيها ولا تفريط.
أولاً: الكفالة من عقود الاحرام وهي من الناحية الاجتماعية أمر طيب.. ومن قبيل التعاون على البر والتقوى.. ومن الخطأ أن يقرر البعض رفضه التام بأن يكون طرفا في الكفالة.. والبعض الآخر.. لا يمانع في أن يكون كفيلا لعدة أشخاص في آن واحد.. وهو بهذا قد نذر نفسه خصيصا لهذا الغرض.
وللتفصيل في هذا الأمر أقول: إن كان الكفيل مقتدرا ويستطيع سداد ما كانت الكفالة من أجله.. وكان المكفول ذا حاجة.. ومحلا للثقة وكانت الكفالة في أمر مباح.. فإن الكفالة هنا تبرع مشكور وإحسان مبارك سيما ان كان المكفول قريبا للكفيل... أو ذا فضل.. وقدر فإنه إن لم يحظ بالاعانة والمساعدة فلا أقل من كفالته والاحسان إليه على القدر المستطاع لظروف الكفيل إذ أن مرد ذلك بالتأكيد على القدر والتيسير أما إذا كان الكفيل معروفا أو من ذوي الدخل المحدود فإنه وهذه الحال عاجز عن كفالة نفسه فكيف يكون قادرا على سداد ما تكفل بسداده، والعجيب ان البعض يزعم ان الكفالة في مثل هذه الحال إنما هي «فزعة» أخوية من الواجب القيام بها خدمة للمكفول.. وإضاءً له، فإن كانت كذلك فلماذا لا يقوم بالسداد واعطاء الحق لصاحبه.. وإذا لم يكن شيء من هذا فالشهامة والنخوة أبعد ما تكون من ذلك وليعلم الكفيل انه مطالب بالحق.. ولا تزال ذمته مشغولة حتى يرجع الحق لصاحبه، هذا بعد أن يستنفد الجهد مع المكفول على القول بهذا أو حتى لعجز المكفول وعدم قدرته أو مماطلته وتحايله وبغض النظر عن الاختلاف في الاحكام الشرعية للكفالة.
فإن أهل العلم قالوا: «إن لصاحب الحق مطالبة من شاء الضامن أو المضمون عنه» استناداً إلى قوله عليه الصلاة والسلام «الزعيم غارم» وفي رواية «ضامن».
ثم إن الكفيل بديل عن الأصيل في حالة التعثر أو التقصير في مناط الكفالة الحقوقية أو غيرها.. وأخيراً لا بد من الاشارة الى أن سائر الكفالات في الاموال وغيرها جاءت تلبية لحاجات البعض من الناس واستجابة لضروريات الكثير منهم، لذا فإن تفهم جميع الأطراف أمراً لا بد منه ليتسنى الفائدة للجميع، فإن كان للامهال والتسامح والعفو نصيب في حق الدائن فلا أظن الاصيل أو الكفيل قد رضيا لأنفسهما مقابلة الاحسان بالاساءة والثقة بما يناقضها «فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان».
خالد بن عايض البشري
|