شاب نصراني كان لا يعرف والديه إلا في المناسبات، بل كانت تمر السنون لم يخطر في باله زيارتهما أو التعرّف على حالهما وكان إذا صادف أن رأى والده أشاح بيده من بعد. أراد الله عز وجل الذي أمره بين الكاف والنون لهذا الشاب الهداية للإسلام فآمن بالله رباً وبمحمد نبياً وبالإسلام ديناً قرأ القرآن وفقه أوامر ونواهي الملك الديَّان فتغيَّرت حاله مئة وثمانين درجة، حيث قرأ قول الباري جلَّ وعلا
{)وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) )وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً)
}، فجاء الابن إلى والده الذي قد بلغ من الكبر عتيا وقبّل قدميه ثم يديه وقام يتعهد حاله فقلَّم أظافره وصار ينصت إلى همساته ليبادر بقضاء حوائجه، بل كان لا يكاد يفارق والده تقرباً إلى الله تعالى فاستعجب الشيخ كل العجب ما الذي حصل لابنه وما الجديد في حياته إنه تغير عجيب وما علم أن الابن : قد استبدل الكفر إيماناً قاده إلى أن يستبدل العقوق والهجران براً وإحساناً سأل الأب الابن ما شأنك يا بني وماذا حدث لك فأجاب الابن يا أبتي لقد هداني الله للدين الحق دين الإسلام فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فقال الأب يا بني وهل الإسلام يأمر بما نراك تفعله الآن من بر وإحسان قال الابن نعم يا أبتي وتلا عليه شيئا مما يحفظه في هذا المعنى وبيَّن له دلالتها ومفهومها، فقال الأب وقد تغيَّرت ملامح وجهه وخالج الإيمان قلبه، إذاً هذا هو الإسلام يا ولدي قال الابن نعم يا أبتي قال الأب أشهد أن لا إله الا الله وأشهد أن محمداً رسول الله قد أسلمت معك لله رب العالمين يا بني فذرفت دمعة من عين الابن الذي كان كثيراً ما يسأل لوالده الهداية. هذه أعزائي القراء قصة ليست وربي من نسج الخيال بل هي قصة واقعية حقيقية بيَّنت تفاصيل أحداثها مدى عظمة هذا الدين بوحيه كتاب الله تعالى وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم.
أعزائي القراء ماذا عن واقعنا نحن أمة لا إله إلا الله مع والدينا هل أدينا شيئا ولو يسيراً من واجبهما وهل تقربنا إلى الله عز وجل بقضاء شؤونهما لن أسرد عليكم النصوص القرآنية والأحاديث النبوية العظيمة التي خصت الوالدين ودعت إلى القيام بواجبهما فهي كثيرة ولا تخفى على من يتعاهد كتاب الله تعالى ولكن سأقف قليلاً عند فضائل القيام بهذا الواجب العظيم الدينية والدنيوية ومن ذلك أن الوالدين بابان إلى الجنة وبرهما سبب مباشر في دخول الجنة وقد رأى أحد السلف يبكي على أحد والديه فسأل عن ذلك فقال لي بابان مفتوحان إلى الجنة فأغلق أحدهما. ومن ذلك أيضا إجابة الدعاء يدل على ذلك حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة فكان أحدهم باراً بوالديه فدعا الله عز وجل ففرج عنهم شيئاً يسيرا ومن ذلك أيضاً طول العمر وسعة الرزق، وهذان الأمران محببان إلى نفس كل إنسان وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام من أراد أن ينسأ له في أجله ويبسط له في رزقه فليصل رحمه ولا شك أن الوالدين من أعظم الرحم التي ينبغي التقرُّب إلى الله تعالى بصلتها.
إن من المؤسف الذي تتفطر الكبد منه كمداً وغيظاً أن نرى الكثير من أبناء أمة الإسلام من غفل أو تغافل عن هذا العمل العظيم فنجد من لا يبالي بوالديه ولا يوليهما شيئا من الاهتمام والرعاية هذا المسكين نسي أو تناسى كيف أدت والدته دورها في حمله ثم ولادته وكانت ترى الموت مع كل طلقة من طلقات ولادته حتى أبصر نور الدنيا بعد أن كادت هي أن تفارق الدنيا ونجد من لا يقف عند هذا الحد، بل يكيل لوالديه أو أحدهما كيلاً من أنواع الألفاظ النابئة والشتائم القذرة، بل نجد من يرضي زوجته على حساب أمه أو أبيه والله لقد رأينا عظيم إحسان والدينا وبرهما لنا وقد تجاوزنا الأربعين من العمر غفر الله لهما وأسكنهما فسيح جناته. بل نجد ونقرأ من يجرؤ والعياذ بالله على ضرب والديه فكيف بمن يجرؤ على قتلهما أو أحدهما بربي ما أعظمه من جرم وما أقبحه من عمل وما أحيفه من مجازاة ومكافأة.
أعزائي القراء ما حال أحدكم حينما يرى أحد والديه وقد استقبل القبلة رافعاً يديه داعياً له بكل ما تحبه النفس وتعشقه من خيرات الدنيا والآخرة وسعادتهما إنها والله فرصة العمر والكنز الذي لا يترك.
وأختتم كلامي بالإشادة بفتاة أعرفها وفقت ببر والديها فتعاهدت والدها ولازمته فكانت تتقرَّب إلى الله تعالى بإزالة أوساخه بيدها وبعد وفاة والدها واصلت برها لوالدتها المقعدة وضحت بعمرها ورفضت الأزواج من أجل خدمة أمها والبقاء بجوارها فأقول لها هنيئاً لك وأبشري بخيري الدنيا والآخرة.
والله المسؤول أن يوفَّق الجميع لطاعته ورضوانه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
|