Monday 21st july,2003 11253العدد الأثنين 21 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

قراءة في كتاب الصهيونية المسيحية قراءة في كتاب الصهيونية المسيحية
تأليف الأستاذ محمد السمَّاك -3-
عبدالله الصالح العثيمين

عرضت في الحلقة الثانية من هذه القراءة الفصلين الأول والثاني من الكتاب. والأول عنوانه: «الصهيونية المسيحية الأوروبية». أما الثاني فعنوانه: «الصهيونية المسيحية الأمريكية».
أما الفصل الثالث من كتاب الأستاذ السمَّاك فعنوانه: الصهيونية المسيحية بوابة أمريكا إلى الوطن العربي. وقد بدأه بالإشارة إلي أن أمريكا اتجهت نحو الوطن العربي عام 1784م عندما أرسلت لجنة للتفاوض مع ليبيا وتونس والجزائر والمغرب لعقد اتفاقيات تضمن سلامة سفنها التجارية في البحر المتوسط. وقد نجحت مع المغرب فقط. ثم أنشأت أسطولاً حربياً لضرب الجزائر، وأعلنت الحرب ضد ليبيا سنة 1801م، وأجبرت حاكمها على توقيع اتفاقية تسوية معها سنة 1806م. وفي عام 1815م أعلنت الحرب على الجزائر، ثم تونس، وحملتهما على التوقيع على اتفاقية بشروط لصالحها.
وفي عام 1830م عقدت أمريكا اتفاقية مع الدولة العثمانية سمح بموجبها للبعثات البروتستانتية أن تعمل داخل أراضي هذه الدولة الإسلامية.
فمهَّدت تلك البعثات الطريق أمام مشروعات الاستيطان اليهودي في فلسطين عملاً بتعاليم الصهيونية المسيحية، وأصبحت رأس الحربة للحركة الصهيونية اليهودية فيها.
ولقد تبنَّى الرئيس ولسون أشدَّ مطالب الصهاينة اليهود والمسيحيين تطرفاً في فلسطين بتشجيع وحثّ من رئيس مجلس القضاء الأعلى في أمريكا اليهودي لويس برايز. وبعد ذلك تنامت داخل أمريكا المشاعر الصهيونية، وبدأت الدولة الأمريكية تحلّ محلّ بريطانيا في المنطقة العربية. ثم أصبح لها الدور الرئيسي في الضغط على بريطانيا لتلغي قرار الحد من هجرة اليهود إلى فلسطين، وفي قبول دولة الصهاينة عضواً في الأمم المتحدة. ومنذ اعترافها الفوري بتلك الدولة وسياستها تقوم على أساسين: الأول إغراق إسرائيل بالمساعدات العسكرية والمالية، والثاني مراقبة التسلُّح العربي ومنع الدول العربية من إنتاج أسلحة هجومية أو الحصول عليها. وهكذا أصبحت الدولة الصهيونية في المركز الأقوى بحيث تفرض شروطها في أي تسوية سياسية في المنطقة.
أما الفصل الرابع من كتاب الأستاذ السمَّاك فعنوانه: «الصهيونية المسيحية والإسلام». وقد ذكر فيه أن تسلُّل الفكر اليهودي إلى الإسلام بدأ بكتابات المستشرقين اليهود الذين حرصوا على أن يظهروا الإسلام وكأنه اقتباس من اليهودية، وأن يهود الجزيرة العربية هم المصدر له. ومن هؤلاء المستشرقين توري، الذي قدَّم في كتابه التأسيس اليهودي للإسلام نظرية أهمية دور الوجود اليهودي وحجمه في الجزيرة العربية. وكان صدور هذا الكتاب عام 1933م؛ أي قبل صدور كمال صليبي بأكثر من نصف قرن. ولم يقتصر أولئك المستشرقون على محاولة إظهار الإسلام على أنه اقتباس من اليهودية؛ بل حاولوا إنكار المقومات الذاتية للحضارة الإسلامية العربية، ونسبوا كل تقدم فيها إلى جهود اليهود.
ولقد حقَّق الفكر اليهودي داخل العالم الإسلامي نجاحاً تمثَّل في ظهور حركات منحرفة عن الإسلام؛ مثل القاديانية والبهائية، ونجاحاً آخر تمثَّل في بعث الشوفينية الطورانية في تركيا، وذلك بإصدار عدد من الكتب التي تركز على الشخصية التركية؛ عنصراً ولغة، فأظهرت للأتراك أنهم جنس آري رفيع، وزيَّنت لهم أن سبب تأخرهم ارتباط دولتهم بالإسلام. وهذا ما ساعد على قيادم القومية الطورانية التي أنهت الخلافة العثمانية الإسلامية.
على أن مما يلفت النظر ان الأستاذ الكريم السمَّاك أوضح في هذا الفصل جهود المستشرقين اليهود وكثير من هؤلاء صهاينة في النيل من الإسلام؛ عقيدة وحضارة، لكنه لم يتناول ما يدل عليه عنوان الفصل؛ وهو الصهيونية المسيحية والإسلام. وليته ركَّز على ما يدل عليه العنوان، وسيجد أدلة كثيرة على جهود عدائية قام بها صهاينة مسيحيون ضد الإسلام والمسلمين. ومن ذلك ما قاله جورج بوش، المتوفى سنة 1859م، في كتابه: «حياة محمد موجد دين الإسلام وامبراطورية السارزن» أي المسلمين: «ما لم تحطَّم امبراطورية السارزن فلن يمجَّد الرب».
وأما الفصل الخامس من كتاب الأستاذ السمَّاك فعنوانه: الصهيونية المسيحية والقانون الدولي. وقد بدأه بتعريف للقانون الدولي، وتعريف للصهيونية بوجهيها اليهودي والمسيحي، مبيِّنا ثوابتها المشتركة لدى الطرفين؛ وهي: أن اليهود شعب الله المختار، وأن الله وعدهم أرض الميعاد الممتدة من النيل إلى الفرات، وأن ظهور المسيح مرتبط بقيام صهيون وتجميع اليهود في تلك الأرض. وبعد ذلك عرض باختصار الجهود التي بذلت لإنشاء دولة الصهاينة في فلسطين، موضحاً مخالفته للقانون الدولي. ثم عرض ما قامت تلك الدولة من انتهاكات لذلك القانون منذ قيامها، وتأثيرها على اتخاذ القرار في أمريكا بالذات.
وعنوان الفصل السادس من كتاب الأستاذ السمَّاك: مؤسسات الصهيونية المسيحية. وقد تحَّدث فيه عن هذه المؤسسات باختصار؛ ومنها:
المصرف الأمريكي المسيحي من أجل إسرائيل. ومهمَّته تمويل استملاك الأراضي العربية في فلسطين، وبناء المستوطنات الصهيونية عليها.
مؤتمر القيادة الوطنية المسيحية من أجل إسرائيل. ورئيسه فرانكلين ليتل صاحب شعار: «لتكون مسيحياً يجب أن تكون يهودياً» ومهمَّته نشر بيانات في الصحف والمجلات المشهورة تأييداً لإسرائيل.
الاتحاد المسيحي من أجل سلامة أمريكا. ومهَّمته ربط سلامة أمريكا بسلامة إسرائيل، وتأكيد نظرية رضا الله عن أمريكا من خلال حسن معاملتها لإسرائيل.
تاف (وهي لفظة الحرف الأخير من الأبجدية العبرية) الرعويات الإنجيلية. ومهمَّتها تجييش الرأي العام الأمريكي وراء إسرائيل من خلال المؤتمرات والمنشورات والإعلانات.
وأشار الأستاذ السمَّاك إلى أن نشاط الحركة الصهيونية المسيحية لم يقتصر على إقامة تلك المؤسسات في أمريكا؛ بل امتد إلى أوروبا وغيرها. ومن ذلك عقد مؤتمر في بال بسويسرا صدر في نهايته قرار من أربعة عشر بنداً كلها تقريباً تدعو إلى أبعد مما تدعو إليه الصهيونية اليهودية ذاتها. ومما أورده في هذا الفصل قول هرتزل: «إذا حصلنا على مدينة القدس وكنت لا أزال على قيد الحياة وقادراً على العمل فإني سوف أزيل كل بناء غير مقدَّس بالنسبة إلى اليهود، وسوف أحرق كل المباني التي تقوم فوق المقدسات اليهودية». وقد وضع بن غوريون إطاراً لهذا الموقف قائلاً: «لا إسرائيل بدون القدس، ولا قدس بدون الهيكل» وعلى هذا الأساس يجري الآن تهويد هذه المدينة.
وأما الفصل السابع؛ وهو الأخير، من كتاب الأستاذ السمَّاك فعنوانه: «في مواجهة الصهيونية المسيحية» ويتزعم غير الانجيليين البابوية الكاثوليكية، التي أعلنت موقفها منذ رفضها وعد بلفور الصادر عام 1917م. على أن هذه المعارضة لم تستطع الوقوف أمام تيار الصهاينة اليهود وأعوانهم من الصهيونيين المسيحيين، الذين يملكون أموراً مؤثِّرة؛ وبخاصة في أمريكا التي أصبحت قوة ضاربة بعد الحرب العالمية الأولى، وازدادت قوة وعنفواناً بعد الحرب العالمية الثانية، ثم انفردت بالعالم كله بعد انهيار الكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفيتي.
والملحق الأول للكتاب رسالة السلطان عبدالحميد إلى الشيخ أبي الشامات، شيخ الطريقة الشاذلية، وقد ورد فيها أن الاتحاديين أصروا عليه أن يصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، فلم يقبل، وأن اليهود عرضوا عليه مئة وخمسين ألف جنيه انجليزي ذهبا ليوافق على ذلك، فرفض، وأما الملحق الثاني فرسالة من الملك عبدالعزيز إلى الرئيس روزفلت سنة 1945م. وقد أوضح فيها الملك تاريخ فلسطين وحقوق العرب فيها، ودحض ادعاءات اليهود، وقال فيها: «وصفوة القول: أن تكوين دولة يهودية بفلسطين سيكون ضربة قاضية على كيان العرب ومهدِّداً للسلم باستمرار». وقد ردَّ الرئيس على الملك قائلاً: «إنه لن يتخذ أي عمل يتضح أنه عدائي للشعب العربي». أما ما حدث فعلاً من كل القيادات الأمريكية منذ ذلك التاريخ فيتضح لكل متابع أنه عدائي كل العداء للشعب العربي؛ وبخاصة في قضيته الأولى قضية فلسطين. والعاقل من اتعظ بدروس التاريخ.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved