Sunday 20th july,2003 11252العدد الأحد 20 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الوليد بن طلال.. وأحزان الطائرة السودانية المنكوبة الوليد بن طلال.. وأحزان الطائرة السودانية المنكوبة
ناهد بنت أنور التادفي/عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال

منذ أيام مضت تساقطت مائة وخمس عشرة روحاً في كسر من الثانية كما سقطت عصافير ضعيفة بين مخالب الجوارح وتوزعت أشلاء ضحايا ركاب الطائرة السودانية في الأجواء كما أوراق الشجر التي تسوقها ريح صرصر عاتية، وازدادت برحيل هؤلاء الأبرياء جراحات الأمة العربية التي لم ينقصها شيء ليضع على كواهلها أرتالاً من مزيد الأحزان، فما يجري الآن في فلسطين الجريحة والعراق السليبة يكفي لأن تعيش الأمة مائة عام أخرى في بحر الهموم، صدقوني لستُ متشائمة لكني مللتُ كغيري أحلام الوعود الوردية وأنا أرى بعيني ما يجري على الأرض مخالفاً لما ترشُحنا به كل ذات مرة أصوات الغرف البكماء والصوالين المغلقة في مدريد أو ما تتمخض عنه الاجتماعات الرتيبة في ردهات مجلس الأمن، فهذه اللقاءات كلها ما أعدت أصلاً إلا لتُذبح بداخلها آمال أمتنا وأشواقها وتمنياتها من «الأذن إلى الأذن» إذ هاهو الصدأ بات يعلو شفرة سنواتنا الثقال بعد أن أثلجت فوق بيادر أعمارنا شتاءات كثيرة، لدرجة أن كثيراً من الناس سأم تفاصيل الحياة ولاذ بركن قصي من منزله وشاح بوجهه عن التلفاز الذي تحول إلى منبع تخرجُ من أصله أخبار القتل وعذابات المحرومين.
دعونا نتفاءل لأن كوة الأمل مفتوحة ونافذة اليقين مُشرعة ومن بين العتمات وسواد الليل الحالك تنعشنا أخبار الأمير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز كما النسمة الصباحية التي تدغدغ لواعج الرموش وتغشي الأعين النعاس وتبرئ جراحات الحزانى العميقة وتطلعنا على أخبار بلاد لم نكن بالغيها إلا بشق الأنفس، فقد عاش الناس سوياً أحزان الطائرة السودانية ورأوا بأم أعينهم كيف أوصدت أبواب أسر كاملة بالضبة والمفتاح بعد الرحيل إلى الأبد، وكم من أسرة ما تركت إلا رضيعاً يقاسي مرارة اليتم وهو في عمر عامين أو تنقص قليلاً، ويصبح الطفل محمد الفاتح رمزاً للنجاة وعبرة لمن يعتبر إن امد الله في أيام هذا الطفل، وتقدمت الأمة بأكملها تواسي عوائل الضحايا وقد ذرف الكل الدموع الساخنة ولكن تفرقت بعدها الحشود وتركت الأسر تكابد مرارات الفراق وحرمان الآباء وفقد العائل الذي يتكفل بالإنفاق على ما تبقى من الأرواح والأنفس البشرية التي أمست أيامها تتخبط بين ظلال الألم وفي أمواج الحسرة، وتبقى تعويضات شركات التأمين لأسر الضحايا ضرباً من الأوهام وطوابير الانتظار الطويل وحسابات الربح والخسارة التي لا تأبه للعمر الأسود ولا للأيام العجفاء ولا للتيه في صحراء الأيام المجدبة التي لم تعد تنبت في تربتها وردة، في هذا الموقف العصيب أتت مكارم الوليد كالبلسم لذوي الضحايا بعد أن ظنوا أن جراحهم لن يداويها سوى الزمن، نعم إنه الوليد بن طلال الأمير الذي يُكبلنا بذلك البريق الطالع من عينيه كأنها أشجار بلادنا تندف فوقنا ريحها الطيب، فجزى الله الشدائد كل خير إذ كشفت لنا أخوة دائمة وعطفاً مقيماً وشهامة من الوليد الذي بعث العزاء لأرباب الأسر في مصابهم الجلل وعبّر عن حزنه الدفين للحدث الأليم وقدّم المال سخياً فداء لدمعة يرجوها كي لا تنساب على صفحة خدود الأسر، إذ في لحظة تدفق كرمه مثل مواكب النصر وشق فجر جوده جدار العتمة عندما واسى وشارك أسر الضحايا بما يتجاوز مليون دولار بحيث تحصل أسرة كل متوفى على مبلغ عشرة آلاف دولار بموجب الكشف الأليم للضحايا الذي نشرته العديد من الصحف السيارة هنا وهناك وفي بلاد الله الواسعة، وعندها رفرفت في سماء الأسر المنكوبة نسائم الوليد فردت مهجة الشمس إلى صدورهم وجلبت السحاب إلى أياديهم كي يحلقوا بريش لا ينام، ثم أتت دفقة حنان أخرى بأن تكفل بالرضيع الناجي مدى الحياة علاجاً وإعاشةً ومأوىً وجميع ما يلزم من نفقات.
والأمير بصنيعه هذا لا يرجو جزاء ولا شكوراً ولا سمعة ولا مدحاً فقد أطبقت شهرته الآفاق وحلقت بسجاياه وأعماله الخيرية أيادي أسكنته في نبض الضلوع، ولكنها الطبيعة والسجية والسليقة المتجذرة في شخص سموه كيف لا وهو سبيل أسرة آل سعود التي عُرفت بالأصالة والكرم وإغاثة الملهوف ومواساة المحرومين، إذ ها هو الوليد بن طلال يتوارى كقمر يغوص وراء كثبان الغيوم ولا نستطيع أن نغيب كأننا تلك الغيوم التي تبقينا قبالته حتى في دقائق الذبول، نعم هي كلمات أقولها بين نفسي وبيني حيث تبعدني سجاياه عن حروف الحكايات الصاخبة، وما قصدت بكلماتي مدح شخصه إذ يكفيه ما هو فيه من نعم وإن أردت مدحه فسأكون قاصرة عن الإلمام بمحاسنه وعلى المحتاجين من الناس فخياله يسبح في حلم المحرومين بمكارم تشق عنان الفضاء، ولكن دعوني أسعد بما تقع عليه عيوني من كريم خصاله فجزاه الله أحسن الجزاء عن الإسلام والمسلمين بقدر ما قدم ويُقدم سراً وجهاراً من أفعال حميدة.وإليك سمو الوليد بن طلال الذي يستعصي عن النسيان أتوجه بحروفي، فكم أنا سعيدة بالكتابة عن مكارمك تاركة كل ما ينهار منهاراً ولك تيار القلب انهاراً فتصبح على مددٍ من التقدير أو ربما تمسي على فنن غض النضارة من العطر، إنها أصالة طاغية لا تقف وراء أستار ولا وراء حدود وحفظ لنا سموك طائراً يسبح في سماء المكارم ينثر البهجة على دروب المعسرين والمحرومين.

الرياض - فاكس 014803452

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved