انتشرت عادة بين النساء عند اللِّقاءات الفكرية، أو اجتماعات العمل، أو في المجالس العامة والخاصة، تنبىء بدخول أفكار غير واعية بأساليب غير حضارية، لا تنمُّ فقط عن عدم احترام لاختلاف وجهات النظر، بل تنمُّ عن توصيف جاهل للرأي الشخصي يقوم على غير قاعدة، وينطلق عن غير فهم، ولا يمثل إلاَّ منفذاً خطيراً لشقِّ الاجتماع، والإيقاع بين الجماعة، وتخبيث النفوس على بعضها الآخر، وكلُّ ذلك عندما يكون بين الفئات التي تمثِّل الشريحة البانية والعاملة فإنَّ فيه ما يجعل التطَّلع إلى بناء جيد لمجتمع متضافر يشوبه شيء كبير من القلق، وعدم الاطمئنان، ذلك لأنَّ الاختلاف لا يؤلِّف بل يفرِّق، والاختلاف الذي يشوبه التعصُّب والأنانية، والتَّحامل لا يثمر إلاَّ الفشل، والخسارة، فإن كنَّا في بداية عمل لحصد الثمر فكيف عندما تنتشر هذه «الأخلاق» في هذا الشكل من «السلوك» بين اللاتي يفترض فيهن الوعي والنضج والتطَّاول على الأسوار المتهالكة في أبنية العلاقات الاجتماعية في بيئات العمل، والثقافة، والأنشطة، والإعلام،؟!
فماذا يُرجى من عناصر بشرية لا تحترم للآخر رأيه؟ ولا تتجاوز عن زلاته؟ ولا تفسح له المجال؟ ولا تمنحه الرَّحابة، ولا تتقبَّل منه؟ ولا تطمئن لنواياه؟
وماذا يُرجى من عناصر بشرية تأخذ من الخبرات قليلها، وتبني عليها من الوهم قصوراً وجبالاً، وتصعد فوقها دون أن ترى أحداً في طول مقامها؟ وهي بعد في أبجدية العلم والمعرفة والثقافة والخبرات لم تصل بعد الدرجات الأولى، ولم تنطق الحروف المبتدئة منها؟... وهل كلُّ من أتيح لها موقف الحوار، أو القول، لم يعد قبلها ولا بعدها أحد؟...
إنَّ المطلوب الآن هو إعادة النظر من قبل الجميع في أسلوب التعامل الفردي مع الآخر، وفي الموقف الفكري من مواقف الآخر، وفي السلوك المواجه لسلوك الآخر، ومن ثمَّ البدء في حساب النفس، ذلك لأنَّ من لا يحاسب نفسه فإنَّ حسابه سيكون شديداً من قبل المجتمع.
واختلاف الإنسان مع الآخر لا يُفترض أن يشقَّ جماعة المتحاورين، أو يخدش آراءهم، أو يقللِّ من شأن خبراتهم وتجاربهم، أو يدعو إلى مواجهتم بالبغض والتحفُّز والتَّجهم والتَّهكم... أو بنبذهم وعدم التعامل معهم... تلك لعمري أخلاق لا تمثِّل «المسلم»، فأخلاقه أخلاق سلام دائم، لا حرب فيها... ولا تطاول على نوايا الآخر ومن ثمَّ اتخاذ الموقف المضاد منه بناء على تعليلات فردية من خلال وجهة نظر خاصة...
***
فكرة هذا الموضوع لواحدة من الوجوه الاجتماعية من الواعيات اللاتي لهن دور هام في ريادة العمل الأهلي في مجال التدريب والتّقنية والوسائل التكنولوجية الحديثة إذ رأت ما ينبىء بفشل ذريع للأهداف البنائية في بيئة النساء عند خلوص أيّ اجتماع بانقسام غير واع بين المتحاورات، وبظهور سلوك غير راقٍ في التعامل بينهن، فطلبت إليَّ الكتابة في هذا والتحذير منه.
|