أعود مرة أخرى إلى الوجه الآخر للحياة.. ذاك الوجه الصادق النقي «بنان».. بعض من التنهدات المباحة.. لزمن منزوع الملامح.. غريب الانسان.. باكي الفرح.. مؤلم أمله!!
أجمل احساس يا «بنان» أن تشعري بالحرية.. الله ما أروعها من حرية بعد ألم حارق..
سأحكي لك حكاية عصفور صغير.. كان محبوساً في قفص وأمام النافذة مكانه!! فقط يلمح الطيور المحلقة ولا يستطيع أن يشاركها التحليق.. يرقب السماء الصافية ولا يستطيع معانقة سحبها.. كل ما عليه أن يملأ ذاك المكان تغريداً وطرباً وهذا كل ما عليه..
وفجأة.. أطلق سراح ذاك العصفور..
بحجم فرحه بالحرية.. والذي امتلكه إلا أنه يقابله بالحجم نفسه خوفه من القادم..!! شعور متناقض لكن شعوره بالحرية كان أقوى..
نسي شعور الخوف.. أو بالأصح تناساه..!! تذكر وقتها أن له جناحين جميلين يستطيع الطيران بهما.. فحاول الطيران.. التحليق.. ليرتفع أكثر.. وأكثر.. وعانق السماء وقبّل سحبها!! شارك الطيور أحلامها وأمنياتها.. حتى جروحها وكفاحها من أجل حياة أجمل!!
كان يتوقع أن ذاك القفص والذي له بكل قضيب منه ملامح جميلة.. راسخة في الذاكرة.. سيحمل القليل من الوفاء له ولتلك الملامح.. التي رسمها على قضبان ذاك القفص ولونها بألوان الربيع!!
كان توقعه من حسن نية يمتلكها.. لكن خاب توقعه وتشوهت تلك الملامح.. وتساقطت من الذاكرة كما أوراق الخريف.. لتصبح تلك الملامح كما شجرة عارية!!
أرأيت معي.. عصفورنا المسكين.. وكيف لتلك الملامح الجميلة لديه أن تتشوه.. وأن تسقط من الذاكرة عمداً..!!
«بنان» حياتنا أصبحت شبيهة بذاك العصفور المسكين.. نظل حبيسي العطاء لأشخاص نظن أنهم يستحقونه.. ولمجرد إحساسهم بالاكتفاء يستغنون عن عطائك بمكافأة رائعة تستحق أن تخلد من روعتها.. أتعلمين كيف يكافئون؟؟ يكافئون من أخلص العطاء بجرح غائر.. محرق.. «النكران والجحود».
أرأيت مكافأة أروع من تلك؟؟ لا أعتقد.. وهل تعلمين لما أقول عنها رائعة؟؟!! أقول ذلك لأن ذاك الجرح يظل منبهاً لنا كلما قررنا أن نفسح المجال لعطائنا.. ونطلق له العنان بدون أي حساب.. وهم يعتقدون أنهم أنهوا وجودنا في ساحة العطاء!!
مساكين يصنعون لأنفسهم عوالم تحمل بريق الماس ظناً منهم أنها حقيقة وما هي سوى سراب يجرون خلفه لزيف ملامحهم اللامعة خداعاً.. واستغلالاً!! وأين ما تجري الرياح بمصالحهم يجرون معها..
سبحان الله.. لا يهمهم من يدوسون في طريقهم.. لا يهمهم من يموت في سبيل العيش بنبل.. لا يهمهم من يظلمون كل ما يهمهم أن يصلوا لما يريدون.. وبأي ثمن.. وبأي طريقة!!
يا «بنان» هؤلاء ما اكثرهم بيننا.. نحسبهم أصدقاء وما هم سوى.. أشخاص موقوتين بالمصالح والأهواء المزاجية والبشر بين أيديهم مؤرخين بتاريخ صلاحية تنتهي بانتهاء المصلحة او المنفعة. أما التعامل بنقاء وصفاء وبإنسانية كما يريدها الله وشرعه.. فلا يمشي ذاك في أعرافهم.
اتذكرين ذاك الببغاء حين قال: لابد من القليل من التنازلات دون المساس بالكرامة، ولا بد من تكييف ذواتنا مع هؤلاء البشر دون أن نلطخ مبادئنا وقناعتنا التي تربينا عليها..!!
كان ذاك ضرباً من ضروب النفاق.. الذي شاهدناه في مسرح العرض.. وكان البطل بارعاً في عرضه لملامح المسكين المغلوب على أمره.. رغم انه كان يحرك ذاك الببغاء ليردد كلامه.. ويلعب احد مشاهد البطولة على ذاك المسرح..
ونحن «متفرجون» «ساخرون» لأنهم يفتقدون الحرية وهواءها النقي، يفتقدون تلك الأرض الصلبة التي يقفون عليها بكل ثبات..
مقيدون.. ويظنون أنهم أحرار..!!
خدعة سينمائية يا بنان.. بكل بساطة صنعوها لأنفسهم.. فصدقوا أنهم أسياد تلك الصنعة.. ومحترفوها الأوائل!! يا الله.. عالمهم غريب.. متحول.. متعدد الموازين والأوجه!! لا تعرفين له نقطة بداية او نهاية!! ولا صاحبهم من عدوهم..!! لا تخرجين من التفكير به إلا بصداع مزمن يشق رأسك الذي يخرج منه دخان احتراق اعصابك..!! فَلِمَ التفكير.. والبحث عنهم ومن خلالهم.. عن ملامح فقدوها.. أو بالأصح أضاعوها فأصبحوا كما الغراب الذي قلَّد مشية الحمامة.. فلم يتقنها وحين أراد أن يعود لمشيته فشل!!
يا غالية.. أعود الآن لك لأبوح باحساس رائع شعرت به فور خروجي من ذاك القفص.. فقد شعرت كما ذاك العصفور.. شعرت بالحرية وتنفستها بعمق..!! وقلت ساعتها يا الله اين انا من تلك الحرية منذ زمن!!
كل الشكر
الأستاذ عمر بن محمد حامد الخطيب / إدارة التربية والتعليم - ينبع البحر
الأستاذ شحدة محمد عتيق ابو شلوف - القريات.
الأخت نوف.. - الرياض
كل الشكر والتقدير على رسائلكم الأخوية والتي اعتز بها.
للتواصل: ص.ب 56951 - الرياض: 11564
email:
|