Sunday 20th july,2003 11252العدد الأحد 20 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شي من شي من
أية ثقافة نرتجي وهكذا نحن!
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

يقول الأستاذ رياض الحسيني إن الشاعر نزار قباني كتبَ عن صدام حسين بعدَ أن زاره في العراق ما نصه: «لقد جئتُ إلى بغداد مكسوراً، فإذا بصدام حسين يُلصق أجزائي.. وجئت كافراً بممارسات العرب وإذ بصدام يردَ إليَّ إيماني، ويشدَ أعصابي.. وهكذا أعود من بغداد وأنا ممتلئ بالشمس والعافية، فشكراً لصدام حسين الذي قَطَّر في عينيّ اللون الأخضر!»، وقد أرفق الأستاذ الحسيني وثيقة بخط يد نزار تؤكد ما ذكر، وكان نزار قد كتب ذات مرة:


لا يبوسُ اليَدينِ شعري وأحرى
بالسلاطين أن يبوسوا يَديهِ!

غير أنه بمقولته تلك لم «يَبس» يدي صدام فحسب وإنما «لحسَ» قدميه أيضاً.
ولا أدري لو أن نزاراً كان حيَّاً زمن سقوط الطاغية، ورأى بأم عينيه أحذية العراقيين وهي تنهالُ على تماثيل وصور ذلك الإنسان الذي: «أعادَ إيمانه وشدَ أعصابه» كما يقول، ثم رأى أقبية التعذيب المرعبة، والمقابر الجماعية، وتفجيره للمعارضين السياسيين له، وهم أحياء، كما جاء في أحد الأفلام الوثائقية التي بثتها وسائل الإعلام، هل سيخجل نزار من موقفه ويتراجع عنه، أم أنه سيغالط كما يغالط اليوم كثير ممن تورطوا بمدح صدام وتمجيده وتسويقه كبطل قومي عربي.
ورغم أنني ممن يعتبرون نزار قباني كشاعر موهوب يتقنُ فنه، وبارع في إبداعه، وثري في شاعريته، واحداً من ألذ الشعراء الذين أنجبتهم «العربية»، إلا أنه «كمثقف» صاحب رسالة وقيم ومبادئ، لا يعدو أن يكون إلا إفرازاً متخلفاً، يركض لاهثا وراء الجماهير تارة، أو وراء «الهبات» وما يملأ الجيوب تارة أخرى، والشعراء العظماء لدى الأمم الأخرى فضلاً عن رموز مثقفيهم هم أولئك الذين «يقودون» وعي الجماهير وليس من «يهرولون» وراء الجماهير أينما حلوا وارتحلوا. ونزار كمثقف لا يُمارسُ في الوعي العربي الحضاري إلا ما كان يُمارسه ذلك الشاعر العربي المتملق حين قال في أحد الخلفاء:


ما شئتَ لا ما شاءت الأقدارُ
فاحكم، فأنتَ الواحدُ القهارُ

فشاعرنا هذا ونزار هنا هما في التحليل الحضاري والثقافي وجهان قميئان مخجلان لعملة عربية رديئة واحدة.
وكان الدكتور الراحل زكي نجيب محمود قد كتب مقالا بعنوان «أزمة المثقف العربي» في صحيفة «الاهرام» جاء فيه: «لقد زارني في القاهرة طالب عربي يُعِدُّ نفسه للدراسات العليا، زارني لعله واجد عندي ما يعينه على حسن اختيار الموضوع الذي يدير عليه البحث لنيل اجازة الماجستير، فقلت له في معرض الحديث: إن فلانا في بلدكم قد قام بجهود فكرية جبارة، كان من حسن حظي ان ألممت ببعضها، وتمنيت لها أن تجد الباحث الناقد المدقق، الذي يعرضها عرضا نزيها يقوِّمها بالقسطاس العلمي المستقيم، فلماذا لا تجعل نتاج هذا الرجل موضوع بحثك، فتخدم الفكر العربي، لأن الرجل يكاد يكون مجهولاً لنا برغم غزارة الفكر الذي قدمه، فما كان أشد ذهولي حين أجابني الطالب بقوله إنه لا يستطيع ذلك، وإلا عرَّض نفسه للأذى في وطنه إذا عاد! وليس من شأني الآن أن أسأل لماذا؟ ولا أن أتعرض لاحتمال ألا يكون الطالب قد صدق القول فيما قال، لا، ليس هذا من شأني، لأنه يكفي أن يكون المناخ الفكري الذي نعيش في أجوائه هو مما يتيح للقائل أن يقول كلاماً كهذا، إن هذا الموقف الواحد مشحون بالدلالات على أن المثقف الأصيل في بلادنا مُحبط إلى الدرجة التي يمكن أن تقوّض لنا كل أمل في النجاة».
وبين ما كتب نزار عن صدام، وبين ذلك الطالب الذي رفض اقتراح الدكتور زكي نجيب محمود خوفاً من العقاب عند العودة إلى وطنه، تبقى الثقافة العربية، والوعي العربي المكتوب والمتاح للإنسان العربي، ضرباً من ضروب التزوير والتدجيل والتدليس في هذا الزمن العربي المفلس.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved