العالم يعد أجياله للسباق، وفي دولة إسرائيل يدربون حتى الفتيات، لماذا يدربونهن؟ يدربونهن لأن يهيئن أجيالهن وشعوبهن لليوم القادم، فاليهود يخططون للهيمنة على البلاد العربية والإسلامية، ولهم فيها مطامع، ثم يخططون بعد ذلك لإقامة ما يسمونه بحلم إسرائيل الكبرى، والروس والأمريكان والصينيون واليابانيون والهنود وجميع أمم العالم أصبحت تخطط وتعد أجيالها من الأولاد والبنات، وتربيهم لما يتناسب مع الأهداف التي يرسمونها من أجل السباق الدولي، السباق العلمي والحضاري والعسكري.
هل نقول إن العالم يبدو مجموعة من الذئاب يعتدي بعضها على بعض، والقوة والنصر والبقاء فيه للغالب؟
كأنه ليس في العالم اليوم قيم ولا معايير، ولا أخلاق، ولا رحمة للفقير والمسكين.
إن الكلمة الوحيدة في العالم اليوم التي تتفق دول العالم كلها على تحكيمها هي كلمة «القوة» فالدول كلها تتسابق في المجال العلمي والمعلوماتي والعملي والاقتصادي، والشعوب الضعيفة سوف تبقى مسحوقة لا قيمة لها ولا وزن ولا رأي ولا كلمة، فهل كُتب على الأمة الإسلامية أن تبقى ضعيفة، وأن يبقى اهتمام شبابها محصوراً في المتعة واللذة والشأن الخاص، وتبقى الأمم الكافرة تدرب وتجند شبابها لتربيتهم على القوة والنضج وتدربهم على السلاح؟!
لا شك أننا ننتظر مستقبلاً مشرقاً للإسلام، لكن هذا المستقبل لن يأتي إلا حين نشعر بالواقع المرير الذي نعيش فيه، ونبدأ بالتخلص والخروج منه.
نماذج مضيئة للشباب
يجب أن يكون من أهداف الشباب العليا إعادة سيرة الشباب السابقين من أجدادهم من زعماء هذه الأمة الكبار، فيتمثلوا سيرة عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما - الذي لم يبلغ الاحتلام أو كان في أول سن الاحتلام والبلوغ عندما مات الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ومع ذلك كان من أحبار هذه الأمة، وكان يحمل من علم الرسول - صلى الله عليه وسلم - الشيء الكثير حتى أعجب الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسلوكه وسيرته وحسن أدبه، فدعا له بقوله: «اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل» لأنه وجد أنه وضع له ماء يتوضأ به، وصلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلةَ مبيتهِ عند خالته ميمونة، وحمل من العلم الشيء الكثير حتى كان هذا الشاب يجلس عند باب الرجل من الأنصار بعد صلاة الظهر ليأخذ عنه العلم فيجده نائماً فيتوسد رداءه فتأتي الريح فتسفي عليه التراب، فإذا قام الأنصاري لصلاة العصر وجد ابن عم الرسول - صلى الله عليه وسلم - نائماً عند باب الدار، فيقول: ابن عباس! فيقول: نعم، ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! يقول: نعم، ما الذي جاء بك؟ قال: جئت اسألك عن حديث سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لو أرسلت اليّ لأتيتك قال: لا. العلم أحق أن يؤتى إليه.
وكان ابن عباس يأخذ بركاب زيد بن ثابت ويخدمه ويسوق به الراحلة، ويقول: هكذا أُمرنا أن نصنع بعلمائنا. يجددون لنا سيرة عبدالله بن عمر رضي الله عنهما الذي يقول: عُرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في معركة أحد وأنا ابن اربع عشرة سنة فردني. رده، لأنه لم يبلغ وعرض عليه في غزوة الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فقبله، فلما سمع عمر بن عبدالعزيز هذه القصة قال: إن هذا يصلح حداً للفرق بين الكبير والصغير أن يبلغ خمس عشرة سنة، وهذا فيمن لم تتوافر فيه وسائل البلوغ الأخرى فهذا ابن أربع عشرة سنة كانت طموحاته واهتماماته تتعلق بالقتال والجهاد والتمكين لهذه الدولة الفتية، حتى قبل أن يبلغ يأتي لعله يقبل، فإذا رده الرسول - صلى الله عليه وسلم - في أُحد، عرض نفسه مرة أخرى في الخندق فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم وخاض المعركة وعمره خمس عشرة سنة.
يعيدون لنا سيرة مصعب بن عمير الذي كان شاباً من أعطر وأجمل وأترف فتيان مكة، حتى إنه كان إذا مشى في طرف الشارع شم الناس في بيوتهم رائحة طيبه في طرف الشارع الآخر، فلما دخل الإسلامُ قَلْبَهُ قَلَبه رأساً على عقب وغيّر مجرى حياته، حتى انه اقبل يوماً من الأيام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه ثوب لا يكاد يستره من العري والفقر الذي أصابه، فطأطأ الرسول - صلى الله عليه وسلم - رأسه وبكى، وقال: «والله لقد رأيتك في مكة وما فيها فتى أحسن جّمة منك ثم أنت أشعث الرأس في بردة» ولما مات - رضي الله عنه - لم يجدوا ما يكفنونه به - كما في صحيح البخاري - إلا بردة لا تستره إذا غطوا بها رأسه بدت رجلاه وإذا غطوا بها رجليه بدا رأسه، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يغطوا بها رأسه وأن يجعلوا على رجليه من الإذخر، وهو نبت معروف بالحجاز.
يجددون لنا سيرة علماء الحديث الذي كان الواحد منهم يحضر مجلس التعليم والفقه وهو ابن عشر سنوات وإحدى عشرة سنة، واثنتي عشرة سنة، حتى ان سفيان بن عيينة يقول كنت اختلف الى الزهري وانا صبي صغير، وكان له ذؤابتان تجدل أمه رأسه كما يفعل بالصبيان الصغار، قال فاختلفوا يوماً عند الزهري في حديث قال بعضهم: عن سعيد، وقال بعضهم: عن أبي سلمة، قال فقال الزهري: ما تقول يا صبي فيما اختلف فيه هؤلاء الرجال الكبار؟ هل الحديث عن سعيد أم عن أبي سلمة؟ قال فقلت له عن كُلاهما بضم الكاف: قال فضحك متعجباً من قوة حفظي وضحك من لحني، لأنه أخطأ في اللغة العربية، لكنه ضبط الحديث.
وكذلك الرجل الآخر الذي يقول: كنت أغدو على مجلس علماء الحديث ووجهي كالدينار وطولي سبعة أشبار وفي أذني أقراط كآذان الفأر، فإذا رأوني وفي يدي المحبرة والكتاب قالوا: افسحوا للشيخ الصغير. فكان هؤلاء يتربون في أتون المعارك أو في مجالس العلم أو في المساجد أو في أماكن العبادة والتقوى، حتى ان الواحد منهم كان يتعلم التعبد والخشوع والورع والدين قبل أن يتلقى الحديث وغيره.
فنحن بحاجة الى تعاون جميع الأجهزة الموجودة في المجتمع والمسجد والبيت والمدرسة والشارع والأجهزة الأخرى المؤثرة، مثل: أجهزة الإعلام، والأجهزة التابعة لرعاية الشباب وغيرها في بناء الشاب الذي يعرف كيف يستثمر وقته فيما يفيد، والذي يصدق عليه وصف الشاعر الذي يقول:
غلام من سراة بني لؤي
منافٍ في الأبوة والجدود
جدير عن تكامل خمس عشرة
بإنجاز المواعد والوعيد
|
يعني ينتسب الى بني لؤي الى بني عبدمناف، تلقّى عنهم الرجولة والشهامة والنخوة والأريحية، جدير عن تكامل خمس عشرة بإنجاز المواعد والوعيد، عمره خمس عشرة سنة، لكنه مع ذلك يستطيع أن ينجز ما وعد أصدقاءه أو ما أوعد أعداءه، فإذا توعد أعداءه بشيء أنجز وإذا وعد أصدقاءه بشيء أنجز.
أما نحن اليوم فنحن لا ننجز وعداً ولا وعيداً، نعد الناس بأشياء كثيرة أننا سنفعل وسنفعل ولا ننجز، ونتوعد أعداءنا بأننا سوف نلقي بهم في البحر ونقتلهم قتل عاد وإرم، ونفعل بهم ونفعل ونشجب ونستنكر، ولكننا لا نفعل شيئاً من ذلك، ولذلك حق علينا قول جرير:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا
أبشر بطول سلامة يا مربع
|
لا يرغب صغير ولا يرهب عدو هذا كبيرنا فضلاً عن صغيرنا.
نحن بحاجة الى من يجدد لنا سيرة محمد بن القاسم، الذي يقود الجيوش وعمره خمس عشرة سنة.
إن الشجاعة والسماحة والندى
لمحمد بن القاسم بن محمد
|
وقول الآخر:
قاد الجيوش لخمس عشرة حجة
ولداته عن ذاك في أشغال
|
أترابه يلعبون في الشوارع مازالوا أطفالاً صبياناً، وهو يقود الجيوش والمعارك! نحن في حاجة الى من يجدد لنا سيرة ابن تيمية - رحمه الله - جلس للتعليم وعمره تسع عشرة سنة ولما أكمل عشرين سنة كانت حلقته هائلة لا يدرك مداها، وكان الشيوخ الذين شابت لحاهم في الإسلام يحملون الدفاتر والمحابر ويكتبون ما يقوله شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله.
|