إن للمساجد مكانة عظيمة في نفوس المسلمين وهي بيوت الله بل وأحب الأماكن إليه كما قال عليه الصلاة والسلام (أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها) رواه مسلم في الصحيح، وقال النووي: قوله (أحب البلاد إلى الله مساجدها) لأنها بيوت الطاعات وأساسها على التقوى 5/171.
ومما يدل على قدسية المسجد وأهميته ان الله سبحانه وتعالى أضاف المساجد إلى ذاته الشريفة إضافة رفعة وتشريف فقال {وّأّنَّالًمّسّاجٌدّ لٌلَّهٌ فّلا تّدًعٍوا مّعّ اللَّهٌ أّحّدْا } كما ذكر ذلك ابن العربي المالكي في أحكام القرآن 4/320.
إن المسجد بمفهومه الشامل هو الذي يمثل محطة التقاء المسلمين لتأدية فرائضهم، ففيه يتعلم الجاهل ويتذكر الناسي والغافل، وفيه يتقوى المؤمن بإخوانه على فعل الخيرات والطاعات، ولذلك كان أول عمل قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قدم المدينة ان بنى المسجد ليجتمع فيه المسلمون وتتوحد صفوفهم وتجتمع كلمتهم وتأتلف قلوبهم. ومما يدل على أهمية المساجد وإنما شيدت وعمرت لإقامة ذكر الله لا لأمور الدنيا أنه قال عليه الصلاة والسلام (من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لاردها الله عليك، فإن المساجد لم تبن لهذا) رواه مسلم في الصحيح من حديث أبي هريرة.
وقال عليه الصلاة والسلام كما جاء عند ابن خزيمة والحاكم في المستدرك (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك).
بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى من أكل ثوما أو بصلا عن الحضور إلى المساجد تنزيها وتكريما لها من هذه الروائح الكريهة فقال عليه الصلاة والسلام (من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا أو قال فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته) رواه البخاري، الفتح 2/342. وقال عليه الصلاة والسلام للأعرابي الذي بال في المسجد: (إن هذا المسجد لايصلح لشيء من القذر والبول وإنما هو لقراءة القرآن وذكر الله والصلاة) صحيح الجامع 2268.
وفي المقابل جاءت النصوص بفضيلة تنظيف المساجد، ففي البخاري ومسلم: ان رجلا أسود أو امرأة كان يقم المسجد فمات ولم يعلم النبي بموته فذكره ذات يوم فقال ما فعل ذلك الإنسان؟؟ قالوا مات يارسول الله قال: أفلا آذنتموني؟؟ فقالوا: إنه كذا وكذا قصته، قال: فحقروا شأنه، قال: فدلوني على قبره، فأتى قبره فصلى عليه.
وقد بوب ابن خزيمة لهذا الحديث بابا سماه (باب تقميم المساجد والتقاط العيدان والخرق منها وتنظيفها) صحيح ابن خزيمة 2/272.
وعن ابن عمر ان النبي حتها بيده (يعني النخامة أو البزاق) ثم لطخها بالزعفران ودعا به قال: فلذلك صنع الزعفران في المساجد ابن خزيمة 1295.
إلا وان مما ابتلينا به في المساجد وخاصة في السنوات الأخيرة كثرة الملصقات والإعلانات واللوحات ولا أكون مبالغا إذا قلت: ان بعض المساجد أصبحت أشبه مايكون بالفصول الدراسية التي قد امتلأت جدرانها بالصحائف والأعمال الفنية المختومة بعبارة عمل الطالب فلان، وإشراف الاستاذ فلان، وماذلك إلا لأن الإعلانات والملصقات التي نراها في المساجد اليوم لم تعد تتسع لها لوحة الإعلانات المعلقة وذلك لأن مقاسات الإعلانات بلغت في بعض الأحيان (1م*1م) تقريبا ناهيك عما تحمله من رسومات لبعض المحرمات تحت بعض الفتاوى كفتوى تحريم الدخان يوجد صورة سيجارة وضع عليها علامة (*) وكذلك تحت فتوى تحريم الغناء والمعازف صورة آلة موسيقية، وكذلك تحت فتوى لبس النقاب رسومات لبعض أنواع النقاب ملبوسة على رؤوس نساء، فهل بلغ الحال بنا إلى ان تعرض صور الدخان والمعازف في بيوت الله دون نكير، بل أصبحنا نرى ملصقات واعلانات لبعض المحاضرات قد كتب في أسفلها (ملاحظة: سيتم السحب على جوالات ومفاجآت أخرى) بل إن بعض هذه الملصقات أصبحت تحمل هدفا تجاريا دعائيا وذلك مثل: اسم الخطاط ورقم هاتفه، أو اسم الشركة او المؤسسة الراعية لهذه الاعلانات مع ذكر شيء من منتجاتها، أو عبارة (1000 نسخة ب 50 ريالاً، وخصم خاص للكميات الكبيرة هاتف) كما أننا نرى في بعض الأحيان إعلاناً عن رغبة بعض المؤسسات أو بعض الدوائر الحكومية في استئجار مبنى بمواصفات معينة ليكون مدرسة وماشابه ذلك، وكل هذا مما لايجوز فعله في بيوت الله لأن هذا داخل تحت مفهوم البيع والشراء المنهي عنه في المساجد الذي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعاء على صاحبه بألا يربح الله تجارته كما جاء في الحديث، وقد صدرت فتوى اللجنة الدائمة بخصوص هذا النوع من الملصقات برقم (21565) وتاريخ (10/7/1421ه) حيث جاء فيها: فأرفع لسماحتكم حيث إن بعض الاعلانات عن الدروس والبرامج المراد تعليقها في المساجد تحتوي على اسم مصمم الاعلان ورقم هاتفه أو المطبعة أو الجهة المتعاونة لاصداره مما يحمل هدفا دعائيا له، فنأمل من سماحتكم إفتاءنا مأجورين عن حكم تعليق الاعلان المشمول بمثل هذه الدعاية في لوحة الاعلانات داخل المسجد أو خارجه أو على سوره؟ وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنه لايجوز أن تتخذ المساجد ولا ساحاتها ولا أسوارها ميداناً لعرض الإعلانات التجارية سواء كانت هذه الاعلانات مقصودة أو جاءت تبعا في النشرات واللوحات الدينية الخيرية، لأن المساجد إنما بنيت لعبادة الله تعالى من صلاة وذكر وتعلم العلم وتعليمه وقراءة القرآن ونحو ذلك، فالواجب تنزيه المساجد عما لايليق بها من أمور التجارة ومن ذلك الاعلانات التجارية الدعائية سواء كانت مقصودة أو تابعة لغيرها في النشرات الدينية الخيرية فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك) وعرض الإعلانات التجارية من التجارة. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
* اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء:
وكذلك مانراه من ملصقات لبعض المراكز الصيفية داخل المساجد تتضمن دعوة إلى استثمار الأوقات في بعض الهوايات مثل كرة القدم (يوجد صورة للكرة على الملصق) أو هواية رياضة التايكوندو (يوجد صورة لاعب على الملصق) أو إعلان عن دورات في الحاسب الآلي في تلك المراكز ونحو ذلك، فهل يصح ان تكون المساجد محلا لمثل هذه الاعلانات الدنيوية أو الترفيهية؟؟ وكذلك تلك الملصقات التي تحمل صوراً لكيفية الوضوء والصلاة بقصد التعليم، أو صورة للقبر بجواره جنازة بقصد الاتعاظ، ولعمر الله لا أظن ان سلفنا الصالح يغفلون عن هذه الطرق إذ لو كان خيرا لسبقونا إليه خصوصا مع وجود المقتضي وانتفاء المانع، ولذلك لما سئل العلامة صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء عنها أنكرها وحذر من تعليقها.
ولذلك فإني آمل من إخواني الأئمة والخطباء والمسؤولين عن بيوت الله التعاون على إزالة كل ما من شأنه تشويه المساجد أو إشغال المصلين عن العبادة أو البعد بها عما أنشأت من أجله والحرص على تعظيمها واحترامها، قال تعالى: {ذّلٌكّ وّمّن يٍعّظٌَمً شّعّائٌرّ اللَّهٌ فّإنَّهّا مٌن تّقًوّى الًقٍلٍوبٌ}.
|