من الأمور البدهية، أن يتطور كلُّ شيء فوق سطح الأرض، حتى الإنسان يخلق ضعيفاً فيكبر ويقوى، سنَّة اللَّه في خلقه، ولأنَّ هذا التطور هو ضمن مجريات الطبيعة فإنَّ التطور يرتبط بحاجة المخلوقات، فالشجر عندما يكبر يحتاج إلى كمية أكثر من الماء، وسعة أكبر من الأرض، ونوعية متطورة من السماد، كذلك فإنَّ عقل الإنسان كلَّما تطور ونضجت تجربته، فإنَّه يطوِّر في اختراعاته، وبالتالي تتطور أفكاره، ومن ثمَّ قناعاته.
وفي الوقت الراهن فإنَّ الذي يتابع بوعي حركة التطور في المجتمع من حولنا، يجدها تتَّجه نحو تطوير كلِّ ما يمكن أن يسدِّد حاجات «القناعات» لأنَّ انتشار المدارس والجامعات والمكتبات ومراكز البحوث وزيادة عدد المتعلمين، والمثقفين، والمفكرين، والعلماء يتطلبان حركة تطور في آليات الحياة من حولهم، ومعطياتها تلك التي تتحقق عن الإنسان ذاته بفعل وعيه وتطوُّر أفكاره، ومن ثمَّ لتحقيق قناعاته، وتسديد احتياجاته كي ينهض في مجتمعه نهضة قائمة على قاعدتين رئيستين هما : ما لا يختلف أو يتعارض مع الدين، وما ينفع هذا المجتمع من مخرجات الحضارة البشرية الفكرية والعلمية والتطبيقية والثقافية، فلماذا الآن كلُّ من قرأ، أو سمع، أو وقف من الناس على ما يتَّجه له هذا المجتمع من التطوير في آليات التَّعامل وعلى وجه الخصوص مع عناصره البشرية يسندها إلى غير هذه الطبيعة في تطور الأشياء؟ وإلى غير بدهية الحياة وتفاعل حركتها في حركة حياة البشر على الأرض؟ لماذا يربطون جهود الأفراد، أو محاولات الإضافة والتجديد، والتخلص من السالب، والحرص على المفيد والإيجابي بما يحدث فوق سطح الأرض من هذه التَّبدُّلات في توجُّهات القوى الكبرى، في الوقت الذي فتَّت هذه القوى في جذور الثقة بمصداقية التعامل معها، ومنحت الإنسان عدم الركون إلى نواياهم، بل جعلتهم صورة تمثل الرغبة في التَّطاوُل على حقوق وحدود الآخر من أجل أغراض توسعية واستحواذية على مقدَّرات الأمم والشعوب؟ وما الحروب التي أقامتها في شتى أنحاء المعمورة إلاّ الأدلة الصارخة على هذا؟
إنَّ المجتمع المسلم والعربي عندما يحرص الآن على تطوير آليات التعامل مع عناصره البشرية وتطوير مسخَّرات عقول وقدرات أفراده إنَّما هو يقوم بأمر طبيعي يدخل ضمن طبيعة الحياة، فما الأزمات إلاَّ طوارق توقظ، وعوامل تُشجِّع، وفرص تفتح الأبواب كي يلج منها كلُّ واعٍ ليسدِّد ما ينقص، ويحقق ما يحتاج إليه كلُّ الذين يعيشون تحت مظلة الأوطان في داخل مجتمعاتهم.
فالأمل أن تتضافر جهود الإنسان مع الآخر كي يقوى على الضعف، ويمنح مجتمعه كلَّ ما يملك من القدرات لنهضة تطوُّريَّة تعمل على نجاح الحياة في بيته الخاص وبيته الكبير.
|