* الثقافية علي سعد القحطاني:
سبق هذا الإصدار قيام عدد من الباحثين الروس والعرب ببعض الدراسات والأبحاث العلمية عن العلاقات السعودية الروسية، وقد ركزت تلك الدراسات بشكل أساسي على تاريخ هذه العلاقات في مرحلتين أساسيتين:
الأولى: مرحلة العلاقات السعودية السوفيتية «1926 1935م».
الثانية: مرحلة انقطاع العلاقات حتى نهاية الثمانينات الميلادية.
وكانت تلك الدراسات تستند على وثائق وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات الروسية بدرجة كبيرة، فهي مرئيات من جانب واحد، إضافة إلى أن بعض الدراسات العربية في هذا المجال استندت بشكل كبير إلى الوثائق الغربية وبخاصة البريطانية.
وبعد عودة العلاقات السعودية السوفيتية نهاية الثمانينات، والسعودية الروسية بداية التسعينات، فإن الدراسات الجديدة للعلاقات بين البلدين لم تخرج كثيراً عن إطارها التاريخي، مع ملامح موجزة عن واقع العلاقات بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
من هنا: فإن هذه الدراسة تأتي لتضيف جانباً جديداً يتصل بالتركيز على دراسة «واقع ومستقبل العلاقات بين البلدين»، وذلك من منظور «حتمية العلاقات بينهما» لاعتبارات تاريخية وسياسية وثقافية ودينية، لا يمكن معها أن تستمر القطيعة في المجالات كافة، واعتنت هذه الدراسة بالنظر في العوامل المؤثرة في بناء هذه العلاقات ومن ثم تطويرها «سواء العوامل الإيجابية أو السلبية»، مع الفصل قدر الإمكان بين العوامل المرتبطة بالجانب السعودي، والعوامل الأخرى المتعلقة بالجانب الروسي.
ولا يزال هذا الموضوع قيد الدراسة والتحليل لدى الباحث، حيث إنه موضوع علمي أكاديمي مسجل لنيل درجة علمية في «معهد آسيا وافريقيا» بجامعة موسكو، يأمل الباحث من خلاله الوصول إلى رؤى علمية موضوعية مستقبلية، سبقها استقراء للتاريخ، ودراسة للواقع، تسهم في بناء العلاقات المثمرة بين البلدين.
وهذا الإصدار محاولة لتسليط الضوء على هذا الميدان المهم، ومتابعة تطورات وتفاعلات هذه العلاقات منذ عام 1991م، والتي تمثل المرحلة الجديدة للعلاقات السعودية الروسية، وقد تخلل هذه العلاقات جملة من المؤثرات والمعوقات أثرت بشكل رئيس في مسيرتها وتفاعلها، وسيتم تناول هذا الجانب في ثنايا الدراسة وبخاصة عند تناول واقع العلاقات بين البلدين.
يقرأ الدكتور ماجد التركي مستقبل العلاقات السعودية الروسية على ضوء العلاقات التاريخية ما بين البلدين ويقول:
بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وقيام النظام الديمقراطي في روسيا نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات، مدت المملكة العربية السعودية يد الصداقة إلى روسيا انطلاقاً من مراعاة دورها كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، وضرورة كسبها لدى بحث الشؤون العربية في المحافل الدولية، ومضت العلاقات في الأعوام الأولى من التسعينيات بصورة طيبة لحين اندلاع نيران الحرب في شمال القفقاس، فقد أدت هذه الحرب بما رافقها من حملة إعلامية مكثفة ضد المملكة العربية السعودية، ومحاولة إقحامها في المشكلة الشيشانية إلى نشوء برود في العلاقات، يسعى الطرفان الآن إلى إزالته على أساس التفاهم المتبادل.
ولدى النظر إلى مستقبل العلاقات السعودية الروسية ينبغي الاستفادة من الخبرة الثمينة للتعامل بين البلدين على مدى أكثر من سبعين عاماً، وتجنب الأخطاء السابقة، والأخذ بالإيجابيات في هذه العلاقات، ويجب في هذا المجال مراعاة العوامل السياسية الدولية والداخلية في البلدين، والمصالح المشتركة ولا سيما في مجال صناعة النفط وتسويقه، وكذلك العوامل الدينية والنفسية لأن المملكة العربية السعودية تعتبر المركز الرئيس للعالم الإسلامي، في حين يقطن روسيا أكثر من 20 مليون مسلم.
ولدى دراسة العلاقات المستقبلية بين البلدين يجب ان يبحث دور روسيا في الشرق الأوسط، واهتمامها في الإبقاء على وجودها في المنطقة، وقدرتها على التأثير في الأحداث الجارية، وحماية مصالحها هناك، وليس المقصود الحماية العسكرية، فروسيا لم تلجأ الى استخدام القوة لحماية المصالح المذكورة في المنطقة إطلاقاً، سواء في الماضي أم الحاضر، ولدى مراجعة تاريخ الوجود الروسي في الشرق الأوسط تجب ملاحظة ان سياسة روسيا القيصرية، ومن ثم روسيا السوفيتية، أو روسيا الديمقراطية ليست واحدة البتة، لأن المنطلقات في خدمة المصالح مختلفة، ويجب أيضا إجراء دراسة وافية لصراع روسيا مع الدول الصناعية الأخرى على مواقع النفوذ في المنطقة، الذي سيتواصل في المستقبل المنظور أيضا ولاسيما إذا خرجت روسيا من أزمتها الحالية، واستعادت عافيتها الاقتصادية وقدراتها السياسية والدبلوماسية في التأثير على الأحداث الدولية.
من جانب آخر يجب ان يؤخذ بنظر الاعتبار ان المملكة العربية السعودية تعيش مرحلة متجددة في تطورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبذلك ستبرز عوامل جديدة ستؤثر في صنع قراراتها بلا شك، لكن يبقى المنطلق الرئيس في سياسة الدولة، هو مراعاة المصالح الوطنية والقومية، وسيكون تعاملها مع روسيا قائماً على هذا الأساس دائماً، وسترحب دوما بتوثيق العلاقات مع روسيا عند اتباع القيادة الروسية سياسة تزيل كثيراً من السلبيات التي عكرت العلاقات بين البلدين سابقاً، مثل: الموقف من الدين الإسلامي، علماً بأن القيادة الروسية قامت باتخاذ العديد من الخطوات الطيبة في هذا المجال رغم تواصل الأحداث في شمال القفقاس، وفي المقابل فان المجتمع السعودي لا يقبل ما تروجه بعض وسائل الإعلام الروسية وبعض الشخصيات غير الحكومية من تشهير بالدين الإسلامي وبالمسلمين والمملكة على وجه الخصوص، وبخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، ولا يماري أحد ان العالم بحاجة الى روسيا القوية والديمقراطية المحبة للسلام، كما ان روسيا تحتاج الى العالم الإسلامي لإقامة علاقات اقتصادية وثقافية متينة معها، لأن المصالح المشتركة بين الطرفين كثيرة جدا.
ومن هنا تتأكد ملامح حتمية هذه العلاقة، ويبرز ذلك في عاملين أساسيين، يتبعهما جملة من العوامل التي تخص كل جانب، والعاملان الأساسيان هما:
1 وجود حسن النية عند الطرفين في بناء هذه العلاقات، والرغبة الأكيدة في تطويرها وتفعيل التعاون على أساس المصالح المشتركة.
2 ان كلتا الدولتين تعدان من الدول النفطية الرئيسة، وتعتمدان بصورة أساسية على مصادر الطاقة وعوائدها، وكلتاهما مهتمة بثبات واستقرار سوق الطاقة، وسيكون هذا كفيلا بتجاوز الفجوة في العلاقات بشكل عام، وذلك على أساس الحوار الذي يرعى مصلحة الطرفين، ويؤسس مصلحة إستراتيجية مشتركة تواجه المصالح الأنجلوأمريكية في المنطقة.
|