قبل حلول الصيف تبدأ التجهيزات السنوية لبعض فئات المجتمع للهجرة إلى البلدان التي تتميز باعتدال أجوائها أو هكذا يكون التعليل! وتصل المبالغة في الاستعداد وعدم تضييع أي ساعة من وقت الإجازة لدرجة ان يكون السفر قبل ظهور النتائج الدراسية، بحجة الأجواء الحارة، والغبار، التي لم يكتف بالتضجر منها طوال العام!! والمعلوم ان بلادنا ذات مناخ صحراوي يناسب أجسادنا وما فطرها الله عليه، وقد وصل الأمر بهؤلاء إلى حد المطالبة بوقف الأعمال وتعطيل مصالح الناس بل واختزال وقت الدراسة لمدة أقصر مما هي عليه الآن!! بدعوى ان بلادنا قليلة الإجازات مقارنة بالدول الأخرى، كما ان تلك الطيور المهاجرة لا تفتأ تبحث عن الأجواء الباردة، حتى أصبح ذلك دَيْدَنها في كل إجازة سنوية أو فصلية مهما كانت قصيرة، فهم يتحينون الفرصة للهروب، ولا يكتفون بالسفر داخل البلاد أو خارجها لمدة محدودة! وتجدهم عند عودتهم للمدارس بعد بدايتها بأسابيع يتفاجؤون ان الطقس الذي هربوا منه باستقبالهم، فتنهال الحرارة عليهم بقوة وضراوة ليسقطوا مرضى جراء انفلونزا حادة بسبب اختلاف الأجواء، أما من بقي من المواطنين فقد تأقلموا على حرارة الجو، بل ولربما يحتفلون بها!! فهي مؤشر للسعد ولاسيما النباتيون ممن يحتفلون بموسم التمر والحبحب والعنب الذي لايمكن ان يحل ضيفا إلا إذا سبقته موجة حارة تطبخ المنتجات الصيفية لتنضجها!!
ولا مانع من طبخ الناس بالحرارة التي بدورها تقوم بعملية تطهير سنوية للجسد المثقل بالمأكولات الدسمة والحلويات المصنعة حتى يتسنى لهذا الجسد الضعيف من استقبال الحلا الطبيعي في إشارة (أنه مايحصل شيء بالساهل)!!!
وإن المرء ليتساءل ما بال هؤلاء (المواطنين) يتذمرون من سوء الأحوال الجوية الحارة تارة، ومن عدم وجود أماكن للسياحة والترفيه تارة أخرى؟؟!! فتراهم يستلمون مرتباتهم بيد ويبذرونها في تلك البلاد السياحية باليد الأخرى طوال فترة السفر - أو بالأحرى الإقامة هناك - التي قد تستمر لعدة أشهر، ولايكادون ينفقون منها في هذا البلد إلا مادعت الضرورة إليه من أكل وشرب فحسب!! أما الكماليات من ملبوسات وترفيه، فلا يدخل ضمن الميزانية والمخصص لها، بل إن مايؤسف له استكثارهم الانفاق هنا، حتى إنهم يرتدون أسوأ ما لديهم بحجة (إن ما فيه أحد يقدر أو يستاهل) وهي بالحقيقة لا تناسب تقاليدنا!! أقول ذلك ونحن نسمع عن مواطنين لا يعرفون من جغرافية بلادهم إلا تلك الطريق التي يسلكونها يومياً للعمل وبالتالي يستلمون رواتبهم، وينتهي حب الوطن عند هذا الحد!!
أما الانتماء فهو مصطلح لم يتعرف عليه البعض فكيف يتعرفون «إذاً» على ظاهرة الفقر وحاجة الناس (المواطنين) إلى مأوى ومأكل وملبس، أما الشاعر الوطني الذي قال:
بلادي وإن جارت علي عزيزة
وأهلي وإن ضنوا عليَّ كرام
|
فقد يكون عانى من الظلم أو الجور بينما بلادنا تنفق على مواطنيها، فلا يجود عليها أولئك إلا بالعقوق بل ويجورون عليها بالهروب منها عند كل إجازة (ولو كانت اضطرارية) أو أي فرصة سانحة، لزيارة مسقط الرؤوس، واتجاه العاطفة والانتماء!! فما الذي قلب الموازين؟؟
ولم أصبحت بلادنا لجني النقود فحسب! ولايكاد يحتمل أولئك حرها وبردها وقسوة أجوائها كما نعموا فيها بالأمن وجنوا منها المال؟؟!!
ص.ب 260564 الرياض 11342
|