Thursday 17th july,2003 11249العدد الخميس 17 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شدو شدو
في العامل الداخلي
د.فارس محمد الغزي

وقوع أمة من الأمم عرضة للغزوات الخارجية لا يمثل كما يقول الباحثون في شؤون الحضارات السبب الرئيس في انهيارها، فالعالم المشهور توينبي يرى، على سبيل المثال، ان العامل الأساس لانهيار الحضارات يتجسد أول ما يتجسد في العامل الداخلي، بمعنى أنه ينشأ من جوهر الحضارة ذاتها.. عليه فعجز هذه الحضارة عن صد الغزوات الخارجية يصبح هنا نتيجة لسبب أمره داخلي.
فالعملية هنا سلسلة من الانهيارات المتعاقبة حيث يزرع السابق منها - بطريقة توارثية - في رحم اللاحق المزيد من بذور الضعف والتضعضع وهكذا حتى يبلغ منها الضعف مبلغا يعصف بها ويقودها في النهاية الى الانهيار.. ولتأكيد اطروحته تلك اتخذ توينبي من انهيار الامبراطورية الرومانية مثالاً على ذلك، بل واضاف غيره من الباحثين الى مثاله هذا انهياري الدولتين العباسية والعثمانية.
وتطبيقاً لمضامين هذه النظرية على الحالة الراهنة للأمة العربية يمكننا القول انه من المفترض ألا يقودنا سوء الأوضاع الحالية الى اليأس والقنوط من إصلاح الحال، فما تتعرض له هذه الأمة من غزوات خارجية لا يمثل - رغم أهميته - السبب الرئيس في كبوتها وهذا من الواجب ان يحفز النفوس أو على الأقل يقلل من حدة ما استشرى فيها من جرعات اليأس والاستسلام. إن مثل هذه النظريات المخبورة تقدم لنا في الواقع وصفة تشخيصية مجانية كفيلة فيما لو تم الاخذ بها بمدنا بالقدرة على استئصال أمراضنا الحضارية ذات الجذور الداخلية، ويدخل ضمن ذلك ضرورة الوعي بخطورة تبعات الإصرار على التعامل مع النتائج بوصفها أسباباً حيث ان مثل هذا النهج من شأنه ان يقود الى استمراء القفز على واقع هذه الأسباب مما يمنحها بالتالي كافة عوامل وعناصر التجذر والاستفحال والتعقد.
ثمة في القول السابق ما يثير الحسرة والأسى.. بل إن له إيلام «القريب البعيد» ان صح التعبير.. وأعني بذلك حقيقة تواصل الانهيار في وقت يبدو فيه العلاج جاثما بالقرب منا انتظاراً لهمم ومعاول التطبيق.. إذن فأزمة العرب لا تتمثل في غموض أسباب ما بهم ولا باستحالة علاج هذه الأسباب.. إنها بالأحرى ليست أزمة أفكار بل هي أزمة «تطبيق» لا غير.. أما الفكرة الأخيرة هذه فهي من بنات أفكار الدكتور سالم القمودي في كتابه المعنون «اغتصاب التطبيق».. وذلك هو محور مقالة قادمة في القريب العاجل إن شاء الله.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved