إن ما حدث في بلد الله الحرام عمل إجرامي خسيس لا يحدث من مسلم عاقل، بل من أناس ضعاف النفوس، جعلوا من الإسلام ستاراً ليحققوا أغراضاً مشبوهة، ساعين للخراب والدمار، كما ضمائرهم المدمرة الفاسدة، فاستحلوا دماء المسلمين في بلد الله، ولم يراعوا قدسية هذا البلد الأمين.
لقد أصيب العالم أجمع بالذهول والدهشة من ترويع الآمنين في مكة المكرمة، فهذه الأعمال الإجرامية ينبذها كل مسلم عاقل، وهي من الأعمال الغريبة والدخيلة على مجتمعنا المشهود له التمسك بكتاب الله وسنة نبيه، والطاعة لولاة الأمور الذين يحكمون بشرع الله.
مكة المكرمة التي شرفها الله عز وجل، فحرمها قبل خلق السموات والأرض، فجعل لها المكانة السامية العالية في نفوس المسلمين قاطبة، فإليها تتجه أفئدة الناس، وتهفو إليها شوقاً، ولا تخلو هذه البلدة الطيبة من ضيوف الرحمن ليلة واحدة على مدار العام، فإليها يتجه الملايين من المسلمين يسيرون في أرجائها ومشاعرها المقدسة في خشوع وطمأنينة، وإليها يتجه المسلمون في سائر أنحاء المعمورة خمس مرات في اليوم والليلة في صلواتهم، وهي مهبط الوحي، ومولد سيد ولد آدم الهادي البشير النذير سيدنا ونبينا محمد صلوات الله عليه وسلامه.
وهؤلاء المعتدون قد تجرؤوا على إزهاق روح الإنسان، وتعدوا عليه بغير حق، فليس بعد الكفر ذنب أعظم من قتل المؤمن، قال الله تعالى:{ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء:93} .
مكة المكرمة التي عظم الله حرمتها، وجعلها حرماً آمناً لا يسفك فيها دم، ولا يظلم فيها أحد، ولا يصاد ولا ينفر فيها صيد ولا طير، ولا يعضد فيها شجر.
قال صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة:« يا أيها الناس، إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، فهي حرام إلى يوم القيامة، لا يعضد شجرها، ولا ينفر صيدها» ( أخرجه ابن ماجه).
فمن هذا الحديث يتضح أن حرمة مكة لم تقتصر على ساكن الحرم من البشر، بل تعدتهم إلى حرمة الحيوان والنبات البريين.
كما أن مكة المكرمة والمدينة المنورة محميتان من الدجال، وقيل أن الملائكة واقفون على أنقابها يحرسونها.
وحفظها الله عز وجل من الخسف ومن الزلازل بخلاف باقي البلاد.
حتى الهم بالمعصية في هذا البلد الحرام يؤاخذ بها الإنسان. قال الله تعالى: {وّمّن يٍرٌدً فٌيهٌ بٌإلًحّادُ بٌظٍلًمُ نٍَذٌقًهٍ مٌنً عّذّابُ أّلٌيمُ }.
وحفظ النفس مكفول لكل إنسان في الأرض الحرام، وفي غيرها، فحق الحياة حق مقدس للإنسان سواء كان مسلماً أو غير مسلم. وقد حثنا الرسول صلى الله عليه وسلم على عدم أذية غير المسلم في ماله أو دمه أو عرضه، وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : «يقول الله تعالى يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا» (أخرجه مسلم). وقال عليه الصلاة والسلام:«من آذى ذمياً فأنا خصمه يوم القيامة».
وقال صلى الله عليه وسلم :«من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً». ( أخرجه البخاري في صحيحه».
وقد شدد الفقهاء على وجوب نصر المستأمنين ما داموا في ديار المسلمين، وأن ينصفوهم ممن يظلمهم، كما هو واجب عليه في أهل الذمة.
فليس شيء أسهل أن يقتل الإنسان الذي كرمه الله عز وجل، حيث قال:«{وّلّقّدً كّرَّمًنّا بّنٌي آدّمّ}.
فلا شك أن سلامة العقيدة ووضوحها وبعدها عن إغراق الوهم وجموح الخيال، وتحكم الأهواء هو الهدف الأكبر الذي يسعى إليه العقل في تفكيره الدائب للوصول إلى الحقيقة، فالعقيدة التي جاء بها الإسلام في قوتها وبساطتها وسلامتها من الشطط والانحراف، وارتكازها على أسس ثابتة من الفطرة الإنسانية العامة، تخول لنا نحن أمة الإسلام نبذ العنف والإرهاب.
وفي هذا الصدد فنحن نناشد ولاة الأمر الضرب بشدة على العابثين بأمن البلاد والعباد، ومهما حاول المغرضون فإن هذه البلاد الطاهرة المقدسة سيحميها الله من كيدهم، فإن للبيت رباً يحميه، ورجال الأمن الساهرون العاملون ليل نهار بدعم وقيادة خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني، وسمو وزير الداخلية، وسمو نائبه، قادرون على حفظ هذه البلاد المقدسة، والله خير حافظا
|