ديننا دين الرحمة والعدل والمساواة «وما ارسلناك الا رحمة للعالمين» فرسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه جاء رحمة للبشرية.. جاء ليخرج الناس من الظلمات الى النور جاء ليحرر الناس من عبادة العباد الى عبادة رب العباد.. جاء لينقلهم من براثن الفساد والجهل ومن التناحر والتقاتل الى منابع النور والحياة السعيدة الآمنة المستقرة.. وهذا الرسول هو مرجعيتنا ومصدر تشريعنا بعد القرآن الكريم.. والسير على نهجه وطريقته هو مصدر عزنا وتميزنا وتحضرنا ولو نشّأنا اجيالنا وعلمناهم وشربناهم لمنهجه وطريقته وكيفية تعامله مع الناس والاحداث وقرأنا سيرته قراءة واعية شاملة لا قراءة مجترئة متسطحة تأخذ ببعض النصوص وتترك الاخرى لسبقنا الامم ولأسسنا لارقى الحضارات ولأعدنا حياة الصحابة والتابعين من الرقي بالفهم والتحضر بالتعامل والايمان واليقين التام بالله وبشريعته وتعاليمه لاننا نتكىء على رصيد ليس بالهين من القيم والمبادىء السامية التي تقف امامها العقول والحضارات وجل الثقافات حائرة مندهشة والنفس البشرية بطبيعتها تميل الى الحق وديننا دين الحق ومشروعه مشروع الخير ولو وقفنا بعرضه وطرحه وتقديمه للآخر بروح التسامح والمحبة والصفاء لما انزوى الآخر بل اجزم انه سيبادر الى الدخول في هذا الدين وهذه هي سنة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه فلم يكن يجرؤ احد على الدخول بالاسلام ولم يكن يعرض الدين بطريقة استفزازية منفرة بل كان يحرص كل الحرص على الهدوء واللين والسهولة في الخطاب فكان يدعو الى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادل الناس بالتي هي احسن ودائما دعوته للناس مقدمة على السيف وسيرته وسنته مليئة بالنماذج المضيئة في حلمه وحكمته وسمو دعوته وفي تعامله مع اصحاب الديانات الاخرى وانه يحترمهم ويحترم ديانتهم وروي عنه صلى الله عليه وسلم انه قام لجنازة يهودي مرت به، فلما كلم في ذلك قال: أليست نفساً؟ وصحابته رضوان الله عليهم شيعوا رفات امرأة نصرانية.
وكان عليه الصلاة السلام يوصي امراء الجيوش بالرفق والتلطف بالناس ودعوتهم الى دين الله قبل قتالهم فعن عبد الرحمن بن عائذ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا بعث بعثاً فقال: «تألفوا الناس وتأنوا بهم، ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم، فما على الارض من اهل بيت من مدر ولاوبر، الا ان تأتوني بهم مسلمين احب اليّ من ان تأتوني بأبنائهم ونسائهم وتقتلوا رجالهم» «تيسير الوصول».
وعن عطاء بن يسار، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علياً رضي الله عنه مبعثاً، فقال له: امض ولا تلتفت، قال: يا رسول الله، كيف اصنع بهم؟ قال: اذا نزلت بساحتهم، فلا تقاتلهم حتى يقتلوا منكم قتيلاً، فإن قتلوا منكم قتيلا، فلا تقاتلهم حتى تريهم اياه.
ثم تقول لهم: «هل لكم الى ان تقولوا لا إله إلا الله؟.. الخ الحديث ثم قال عليه الصلاة والسلام لعلي والله لأن يُهدى على يديك رجل، خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت» رواه احمد.
وعندما حاصر المسلمون قصراً من قصور فارس كان الامير سلمان الفارسي فقالوا: يا ابا عبد الله الا تنهر اليهم؟ قال: دعوني ادعوهم كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو.
فأتاهم، فقال لهم، انما انا رجل منكم، فارس، والعرب يطيعونني، فإن اسلمتم فلكم مثل الذي لنا، وعليكم ما علينا، وان ابيتم الا دينكم تركناكم عليه واعطونا الجزية عن يد وانتم صاغرون قال: ورطن عليهم بالفارسية: وانتم غير محمودين، وان ابيتم نابذناكم على سواء.
قالوا ما نحن بالذي يعطي الجزية، ولكنا نقاتلكم.
قالوا: يا ابا عبد الله الا ننهر اليهم؟
قال: فدعاهم ثلاثة ايام الى مثل هذا:
ثم قال انهروا اليهم.
قال: فنهرنا اليهم، ففتحنا ذلك القصر «الترمذي».
وقال عليه الصلاة والسلام «من قتل معاهداً في غير كنهه حرم الله عليه الجنة».
وفي رواية: «ان يشمه ريحها».
وكان بين معاوية وبين اهل الروم عهد، وكان يسير في بلادهم، فلما انقضى العهد اغار عليهم فإذا رجل على فرس وهو يقول: الله اكبر، وفاء لا غدر، واذا هو عمرو بن عنبسة فسأله معاوية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عهدا، ولا يشدنه حتى يمضي امده، او ينبذ عليهم على سواء»، قال: فرجع معاوية بالناس «الترمذي».
هذا ما كان عليه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وصحابته من الرفق واللين والتعامل الحسن مع الناس وانهم كانوا يتحاشون قتل النفس ما استطاعوا ولا يخرجون السيف من غمده الا في احلك الظروف لأن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم جاء مبشراً لا منفراً وجاء ميسراً لا معسراً فكان عليه الصلاة والسلام يوصي امراءه على الجيوش وصحابته بأن يترفقوا بالناس وان يحاوروهم ويدعوهم الى الدين الحق فهداية الرجل الواحد خير من حمر النعم وكان صلى الله عليه وسلم يغضب اشد الغضب عندما يسبق السيف الدعوة او يقتل احد منهم رجلاً يقول لا إله إلا الله ولذلك غضب على الصحابي الذي قتل رجلاً من العدو قال لا إله إلا الله ظناً من الصحابي انه يتقي بها السيف وقال له عليه الصلاة والسلام: ماذا تصنع ب«لا إله إلا الله» عندما يحاجك بها يوم القيامة او كما قال عليه الصلاة والسلام.
لو قرأنا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ووعيناها وجعلنا منها ضابطاً لسلوكنا وتعاملنا اليومي وانطلقنا منها في جميع امور حياتنا واصبحت هي مصدر اشعاعنا واشراقنا ومرجعيتنا التي نباهي بها الآخر ونفاخر بها الامم وقدمناها ايضا لهم بفهم ووعي واسلوب حكيم لدخل الناس في دين الله افواجاً.
|